لحظة فاصلة

لحظة فاصلة قصة : هدي عبد الغني كُريم

جلست أميرة في هدوء تستمتع باحتساء كوب من الشاي الأخضر ، في شرفة منزلها الأنيق. جاءتها رساله واتس اب على هاتفها الجوال ، نظرت إلي الهاتف دون أن تفتح الرسالة وابتسمت ابتسامة ملأت وجهها. عندما قرأت فحواها سرحت بخيالها بعيدا، فتحت معرض الصور ، وبدأت تتأمل صورها الحديثة.
لم تلتفت  كثيرا إلى شكلها ، وملابسها ، وأكثر ما لفت انتباهها : ابتسامتها وروحها .
قامت  من مجلسها محتفظة بالابتسامة التي علت وجهها ، وتوجهت إلي غرفتها،  وقفت أمام مرآتها تتأمل جسدها بإعجاب ، وتتحسس ملامح وجهها.. لاحظت آثار السنوات التي بدأت تأكل عمرها   .
مدت يدها والتقطت البوما للصور من مكتبتها  وعادت إلي الشرفة مرة أخرى.
قلبت الصور  وراقبت ملامح وَجهها في كل صورة، لاحظت كم كانت ملامحها الطفولية تتسم بالبراءة و الجمال ، عيناها تلمعان ، وتطغي عليهما نظرة ذكية.  تأملتها مليا، وكلما تقدم العمر بالصورة ، لاحظت الاختلاف في ملامح الوجه ، ونظره العينين. كل صورة تُعبر عن حاله حزن ، تبدل نظرة العينين إلي عين دامعة حزينة ، وتحولت الابتسامة الجميلة العفوية ، إلي ابتسامه يائسة  خجولة …
اغلقت الألبوم  ،ووضعته على الطاولة أمامها ، ورجعت برأسها إلي الخلف أغمضت عينيها …
شردت..
( مدللة أنا.. احترسي…. لا تجري هكذا… هذا خطر عليك… لا تلعبين معهم… ستقعين وتصابين بأذى… ستأكلين هذا.. لابد أن تأكلي طعامك كله… ،في الثامنة من عمري ووزني يتعدى الخمسين كيلو…لا أستطيع الجري مثلهم… أشعر بالتعب سريعا…كرنبة ؟؟؟ . قفز الحبل لعبة جميلة… صعبة جدااا.. القفز مرهق… تعبت من البحث عن ملابس تناسبني… ملابسي مختلفة عنهن …. اعشق الفيونكات والكرانيش في الملابس.. أتمنى الاشتراك في الرقصات الاستعراضية في حفلة عيد الام… يمكنني الاشتراك في المسرحية… لا يوجد دور يناسبني. القراءة ممتعه… مساكين أقارب سندريلا…
اقرأ…. اقرأ….. ثم اقرأ…. أعاود القراءة. مُعلمتي سعيدة جدااا… تفخر بي أمام زملائها.. أعطتني وردة اليوم أمام زملائي… سعادة أمي وابي لا توصف بنجاحي في الثانوية العامة. الان تخرجت من الجامعة بتفوق… استاذي محام بارع… أرى دائما في كلماته احتراما وتقديرا لاجتهادي واخلاصي في عملي… واثقه أني سأكسب هذه القضية… أشعر أن زميلي هشام لطيف معي… أثنى اليوم على ذوقي في اختيار ملابسي وعلى أناقتي…. أذوب خجلا من نظرات عينيه وهمساته عندما يراني متأنقة… أزداد حماسا حين أسمع كلمات الإعجاب والتشجيع منه…. نسيت ملف القضية بالمكتب… ماذا… ؟ استاذ محمود يزكيني عند هشام ويقترح عليه الارتباط بي…. ما أجمل ضحكته… تسعدني كثيرا… قلبي سيتوقف… هل ما سمعته حقيقة؟؟؟ هل قال ذلك حقا؟؟ نعم… انا متأكدة… لقد قال ذلك… سمعته يقول : حرام عليك يا استاذ محمود… ترضى لي اتجوز كتله لحم… أنا عايز تضاريس استمتع بيها…. نعم… قال ذلك… ألم يراني؟؟؟ ألم يرى سوي جسمي الممتلئ؟؟؟
لا أستطيع ان أقف على قدمي .. هو لا يختلف عن غيره…. كلهم لا يرون إلا جمال الجسد..
ممتازة يا أستاذة… مرافعة مُبهرة… دون دفاعك لم يكن بمقدورنا أن نكسب القضية…. تأخرت قليلا يجب أن أسرع… القاضي ينادي أين دفاع المتهم؟… أحاول أن أصل أمامه بسرعة… شدي حيلك يا أستاذة… الرول مليان قضايا مش فاضيين…. ماذا؟؟؟ ماذا يقول؟؟؟… لماذا تعج القاعة بكل هذه الضحكات الساخرة؟؟؟ هل هناك ما يستحق كل هذا السخرية؟؟؟؟ كلهم يرون بنفس العين… الجميع يرى ظاهر الأشياء ولا يرى باطنها. ماذا على أن أفعل؟؟
هل استسلم لواقع يؤذيني؟ كيف وانا الإنسانة التي يراني الجميع قوية قادرة على تغيير مسار كثير من الناس بكلماتي وبحثي عن الحقيقة… كيف يمكنني حل مشاكل الناس وأبدد مخاوفهم وانتصر لهم وأعجز عن الانتصار لذاتي ؟…
أنا حقا جميلة… قليل من الاهتمام ويسطع جمالي… الحل بسيط للغاية.. تنظيم غذائي… قليل من الرياضة… تعبت كثيرا ولكن لا يهم….. كم أنا جميلة ورشيقة الان… لن يستطيع أحد احراجي بعد اليوم.
إنه هشام مرة أخرى… أجزم أنه لن يعرفني… أرغب في الحديث معه. لاحظ ابتسامة على وجهي وأنا أقف أمامه أمد يدي لأصافحه… يده ناعمة تفيض حنانا… أتمنى ان يظل مُمسكا بيدي… هل تحققت امنيتي؟ عيناه تقولان إنه لم يعرفني….. وتقولان إنه يتمنى أن يعرفني. ما زال مُمسكا بيدي متسائلا من أنا..؟ أتباطأ في الرد عليه مستمتعة بقبضة يده الحانية…. ألا تعرفني؟… ألا تتذكر صوتي؟….. كان رائعا وهو يرجع إلى الخلف محتفظا بيدي بين يديه متأملا جسدي بإعجاب واندهاش…. أميرة ؟؟؟؟ معقول؟……. نظراته تخترقني فتعبث بداخلي وتشتت كل ذرات إحساسي… نبض يدي بين يديه يزداد شوقا إليه… أشعر أن حرارة شديده تنبعث من يديه… تنتقل بدون وعي إلي داخلي… على أن انزع يدي الان من يده… سبنفضح أمري إن استمر حاضنا يدي… لحظة أعادت إلي روحا جديدة…. رسائله على الواتس اب… متابعته لي على الفيس بوك… حكايته عن طليقته ام طفليه ترضي غروري وكبريائي…. محاولاته التقرب إلي دائما تحرك داخلي مشاعر آثرت قتلها منذ زمن…… عليه أن يتزوج مرة أخرى… هذا حقه… ولم لا… ما زال شابا… ناجحا…. جذابا… تتمناه أي امرأة…أخيرا تحقق حلمي…. الان جاءت الرسالة التي طالما تمنيت أن تأتيني.. رساله من كلمة واحدة على الواتس اب…… تتجوزيني؟)
أفاقت أميرة من ذكرياتها  ،وعادت إلي واقعها  ….. صمتت لحظة ثم أمسكت هاتفها  مبتسمة  بشده ، وقلبها يخفق سريعا  ، ردت عليه رسالته وأرسلتها :
(من لم يكتشف جمالي في الثالثة والعشرين ، لا يحق له ان يعيش جمالي وأنا في الثالثة والأربعين.)
أغلقت هاتفها ، وعادت من غفلتها  ،لتتأمل نفسها من جديد .

قد يهمك أيضا

قصة قصيرة صابر فتحي عبداللاه بعنوان: (لوحة رسمها الليل)