قصة ونقد، قصة الأديبة/ دعاء أحمد شكري ونقد الأديب والمفكر/ رفعت العراقي

قصة ونقد
قصة بقلم الأديبة/ دعاء أحمد شكري
ونقد الأديب والمفكر/ رفعت العراقي

حصار
أقود سيارتَنا بدونكَ، الطريقُ ينتحرُ تحتها، يصرخُ،يلقي بكَ أمامي من جديد كلما تخطيتُكَ، القمرُ رسم ملامحك البريئة تنتحب ناظرا لي بألم، أينما وليتُ ناظري رأيتُكَ، نسماتُ الليلِ مفعمةٌ بأنفاسكَ، الكون يحاصرُني بكَ، فأين المفر؟.
وقفتُ أمام البحر، أتنفسُ ببطءٍ؛ طفا وجهُكَ ببسمتكَ الآسرة، المحطات الإذاعية تتحداني،جميعها تذيع أغاني جمعتنا، هاتفي يضوي باسمك فأعتمته، أغمضتُ عينيّ ضاغطةً عليهما، وأوصدتْ يداي أذنيّ فصوتك يهمس، شعرتُ بباب السيارة يُفتح، فإذ بيد حانية تسحبُ يدي فملكتني بقبضتها ، ودفء شفتيك، انتفضتْ حواسي حين رأيتُكَ تملأ المقعد الشاغر بل صرتَ السائق وأنا بجوارك، ابتعدتُ عنك.
تغني: “أحلى كلام فى الهواء قلناه”.
ثم تصمتَ وتُشاغبُني عيناكَ تدللني بشقاوتِكَ قائلا: حبيبتي بتتقل عليّ عشان عيونها حلوين.
تلومُني قائلا: ازاي تهجريني وأنتِ روحي.

قبل أن أتوه فيكَ.. تعمقتْ البصيرة و تلاشى العمه حين جسدت الذاكرة أفعالك القذرة رأيتُ رأس ثعبانك المستتر بملامحك الملائكية، دفعتُكَ بكل ما أوتيت من قوة..نهرتُك، ثورة عصياني فاقت ثورة حنينك، فخرس الكون وانكمشتَ إلا عينيك تحدق بي مندهشة.

نقد بقلم/ رفعت العراقي

أول ما تقع عليه ذائقتك في ( الحصار ) هذا التماهي المطلق بين
أبعاد الزمان والمكان والحدث، أو ما يسميه النقاد ( الوحدة )، هذا التماهي
أعطى للقصة تدفقاً وانسكاباً يحملك كالسيل عقلاً وروحاً، من حيث بدأت في
نشوة الهوى، إلى حيث انتهت في يقظة التعقل، وهو ليس مجرد سمة فنية بل
هو ضرورة فنية وماهية للقصة ووجودها .
وحوار القصة حوار قصير جداً متداخل في نسيج الحدث، ودفع إلى نقطة
الصراع على نحو يدعو إلى الإعجاب، وتمازجت فيه الأزمنة، و أحضر
الماضي إلى الحاضر، وذهب بالحاضر إلى الماضي، وذهب بهما جميعاً إلى
إلى زمن متخيل، شعرنا به في كلماتها، ربما تتمناه هي .
وصحيح أن في القصة شخصيتان اثنتان فقط غير أن حضور البحر والسيارة
والمذياع والطريق الذي ينتحر والمقعد الذي امتلأ به – أشعرنا أننا أمام عديد
الشخصيات المتداخلة في الحدث، بل وتصنع الحدث أيضاً، وهذا نجاح كبير
للكاتبة على المستوى الفني، غير أن شخصية البطلة مع ذلك تبقى هي محور
الحدث، ممسكة بيديها أطراف الحدث، مما أعطى للقصة وحدة وتماسكاً .
لكن ماذا أرادت الكاتبة أن تقول ؟ وهذا الصراع الذي عاشته بطلتها بين
نشوة الهوى ويقظة التعقل، هل هو مجرد صراع شخصي، عاشته إنسانة
مرهفة مثقلة بالحنين والذكريات ؟ أو أن وراءه ما هو أعمق و أعم ؟؟
قراءتي أن صراعها مع إيغاله في الذاتية يبقى مع ذلك القضية المحورية في
حياة كل العقلاء والأسوياء من البشر، فهو صراعنا جميعاً، وقضيتنا جميعاً
وموقفنا من هذا الصراع والذي يشكل حياتنا، ويرسم طريقنا .
إن رأس الثعبان المختبيء خلف الملامح البريئة وبراءة بطلتنا الرقيقة هما
المعادلان الموضوعيان لكل القبح و البراءة التي تملأ حياتنا، والصراع
بينهما هو الصراع الأزلي والأبدي لقصة الخلق، لخصته الكاتبة في لغة
رقيقة رومانسية ذكرتني بلغة السير والتر سكوت في رواية ( ايفانو ) حيث
اللغة الهامسة والبوح الرقيق .