على الفيشاوي حكاوي ومصرنا أسرار

على الفيشاوي حكاوي ومصرنا أسرار .. ملحمة مصرية تاريخية شعرية ، للشاعر صلاح يوسف دراسة كتبها : نبيل مصيلحي

على الفيشاوي حكاوي ومصرنا أسرار .. ملحمة مصرية تاريخية شعرية ، للشاعر صلاح يوسف
دراسة كتبها : نبيل مصيلحي
ــ
أنا لست مع من يقول أن العامية المصرية ، هي فصحى فقدت فصاحتها ، ولا أميل إلى آراء تنضح بالفزلكة ، وتعتبر العامية ” كلشن كان ” ، كرصاصات طائشة لا تصيب الهدف .. فقط تصدر منها صدى الأصوات التي سرعان ما تنتهي ، ولا يبقى منها أي أثر ، وآراء أخرى تعتبر شاعر العامية في حالة دائمة من الهروب عن مضمار الشعر الفصيح ، وتتهمه بأنه يلجأ إلى الأسهل ، الذي لا يقيده بجماليات اللغة والمحسنات البديعية ، أو تثقل ذهنه وترهقه بقاموس من المفردات الصعبة ، أو تلزمه بوزن على بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وقافية قد يتعثر في ممارستها .
ولأنني أؤمن بأن ما سبق من آراء ، هو ضرب من ضروب الجهل ، وضبابية الرؤية ، وفقر الثقافة الأدبية ، وعدم مواكبة مسيرة روّاد مدارس الشعر العامي بداية من عبدالله النديم ، وبيرم التونسي ، وفؤاد حداد ، وصلاح جاهين ، وعبد الرحمن الأبنودي ، وأحمد فؤاد نجم ، وسيد حجاب ، وإبراهيم رضوان ، وفؤاد حجاج ، وقائمة أخرى من شعراء العامية المصرية ، لها بصمة واضحة في الحياة الأدبية ، لذا فنحن لا نعير الآراء المضمحلة أعيننا أو آذاننا أو اهتمامنا ، فهي آراء هادمة ، لا يتمخض عنها سوى الهراء .
فالعامية المصرية هي روح الشعب ولغته ، أو لهجته التي يحسن صياغتها ، والتعامل بها في حياته اليومية ، وأن موضوع خوف شعراء الفصحى من سيطرة العامية قد قتل بحثا ، فلن نتطرق إليه بالتفصيل ، ولقد أكدنا في مقالات ودراسات عديدة ، أن الفصحى والعامية يواجهان من خندق واحد مصير الأمة المصرية ، ولا خوف على أحداهما من الأخرى، ونعلم أن لكل بلد لهجتها التي تتعامل بها في حياتها اليومية.
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏
وأما ما يفرّق بين شاعر وآخر ، هو أصالة الموهبة من عدمه ، وامتلاك الأدوات بما تشملها من لغة أو لهجة ، والوزن ، والمشاعر والتصوير الفني ، والخيال ، والثقافة .. كل هذه المكونات تصنع الشاعر المتدفق العواطف ، والممتلئ وجدانه بالمشاعر والرؤى ، أضف إلى ذلك مواكبة الأحداث القريبة والبعيدة المحلية والعالمية ، ومدى رصده لها ، والتأثر بها ، وكذلك السعي إلى التعرف على كل ما هو جديد ليعطي كل ما هو مدهش وغريب وبديع وغير متوقع ، وتشكيل عالمه بما يتيح له التكيف والانسجام معه .
ولأن التجارب الشعرية متعددة ومتباينة في الشكل والمضمون ، وهذه من الفروق الفردية المسّلم بها ، فمن الشعراء من يحرر القصيدة من طابعها العادي ، وينطلق بها إلى آفاق رحبة ، تستوعب التطوير ، وهذا يستلزم أن يكون الشاعر على وعي بالمطروح من إبداع الآخر ، وعليه أن لا يتوقف عن التنقل من عالمه ، إلى عوالم أخرى جديدة ، أو إلى مناطق لم يحُط عليها طائر إبداعه من قبل ، أو طائر إبداع غيره ، ومن الشعراء من لا يجتاز تجربته حدود التلقائية ، ولا يرهق نفسه في التفكير ، والبحث عن الجديد ، وقد يكون هؤلاء لا يملكون أدواتهم كاملة ، فلا عذر لهم ، لأنهم استعذبوا الكسل ، والركون في مستنقع المباشرة الرديئة ، التي لا تزينها الفنية ، وعدم خوض التجارب ، والكشف عن الجديد من الواقع أو من الخيال واستخدامه ، فمن عرف التجارب طابت له المشارب كما يقول المثل.
ونحن بصدد تجربة رائدة ، صلبها / قوامها / بنيانها اللهجة العامية المصرية الأصيلة ، والتي تضرب بجدورها في أعماق الشعبية ، فشاعرنا اتجه اتجاهاً مباشراً نحو هذا الوعاء الوطني الأصيل ، ليستقي منه مفردات العامية لقصائده ، واستطاع الشاعر تضفيره للأحداث التاريخية ، بأسلوبية شعرية ، استخدم فيها كل مكونات التجربة الشعرية ، والتي تعتمد على الموهبة والأدوات المشار إليها سابقا ، والتصوير الفني والثقافة ، وأعتقد أن ما يقدمه الشاعر ، هو مشروع بذاته ، وإن لم يقدم بعده أي أعمال شعرية .
ومن ( حكى ) نذهب مع الشاعر صلاح يوسف لنكتشف ما حكاه أو رواه على صفحات ديوانه ، وتكملة لما أسلفناه ، فالحكاية تشير بعمومية مضمونها إلى أحداث عاشها الشاعر ، أو رواها له آخر ، أو نقلها عن غيره ، وفي كل الحالات نجد (حكى ، يحكي ، حكاية ، حكي ) ، وكل هذا من السرد في التفكير ، الذي استطاع الشاعر ، صياغته بمهارة كي يقدمه للقارئ في قصائد من الشعر .
قد تكون صورة كارتونية لـ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏على الفيشاوي حكاوي ومصرنا أسرار للشاعر صلاح يوسف يو عدى طب الجفاف طول عمر صالیه لضهر قدام الطاغو فرعون غرق خاف وانا العجاف العذر هز ضمت نور الخليل الطهار العفا سما صدق بتحضن كفها والخوف المصطفى الضلمه نوره محد هاجر قهوة الفيشاوي d แر प्ार بوسف HH او ابتلاء هانتنى واستكین ولا هانحني هايشقنى بدون حدود بولادی الجنو بصلب ماضعف فيه عمری HIIIIH BLTU يكفيني‏'‏‏
وعن مقهى الفيشاوي بجوار مسجد سيدنا الحسين ، فهو أحد مقاهي مدينة القاهرة العتيقة ، يوجد بحي الأزهر الشريف ، بمنطقة خان الخليلي ويعد من أقدم المقاهي ، وقد أنشأ في عام 1797 م ، وكان المقهى المفضل للكاتب العالمي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأداب ، ولعل الشاعر صلاح يوسف أراد أن يربط بين حب نجيب محفوظ للمقهى ، الذي شهد مسودات رواياته ، ورغبته في أن يشهد الفيشاوي على حكايات صلاح التي سيرويها ، كما شهد على أعمال كاتبنا الكبير نجيب محفوظ ، ومن قبله قصده الرائد المفكر جمال الدين الأفغاني ، والشيخ المجدد في الفقه الإسلامي محمد عبده وسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، وفي المقهى غرفة من ثلاث غرف كانت مخصصة للملك فاروق وضيوفه ، تستقبلهم في شهر رمضان .
وبالقول الأكيد الذي لا يقبل الجدال أو الشك ، أن ( مصرنا أسرار ) ، فما زالت الأسرار مدفونة في ربوعها ، فمن يصدق أن يكون حجر رشيد الذي عثر عليه ، على يد جندي فرنسي يدعى ” بيير فرانسوا بوشار ، من جنود حملة نابليون على مصر عام 1799م ، فوق طابية رشيد بالقرب من مدينة رشيد في دلتا النيل ، ويرجع النقش إلى عام 196ق.م ، حيث حرره الكهان كرسالة شكر إلى بطليموس الخامس ، لأنه رفع الضرائب عنهم ، وكان الحجر عليه ثلاث لغات ، الهيروغليفية ، والديموطيقية ، والإغريقية ، واستطاع أن يفك شفرته العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون ، وفسر ما عليه من كتابات .
وفي وصفه الشعري للمكان ، وهو على مقهى الفيشاوي ، والذي سيشهد مولد ديوانه الشعري ، ولأنه يهوى ويعشق ، أن يسترجع الماضي من أجل تنشيط الذاكرة الشعبية ، نراه يصنف ما سوف يقصه من الحكاوي ، بأنها الملحمة الشعرية ، والتي سوف يفترش مداها التاريخي عن وطنه الطيب ، بداية من الفتوحات الإسلامية لمصر .. بالفتح الأول على يد الصحابي عمر بن العاص ، في عهد أمير المؤمنين عمر بين الخطاب رضى الله عنه .
والجميل أن يتخذ الشاعر ” مصر” رفيقته ونديمته ومؤنسته ، يقول هو ، ويجعلها تقول هي ، في مراوحة رائعة ، خلقها هو ، ويشرك أيضا أحد الشخصيات التي كتبت التاريخ كالجبرتي ، وهذا المشاركة القولية ، برغم صعوبتها إلا أن صلاح يوسف مارسها بجداره في حديث الراوي في استخدام الضمائر .. ( أنا ، هي ، هو ) ، حيث يعيش في حالة عشق لإبداعها .
ويعلن عن حبه وهو في انتظار طلتها ، ويفيض غرامه بالحنين والشوق لحد الانصهار، مع سؤاله الذي يعبر عن غيابها في بعض الأوقات .. يسأل : روحتي فين؟! وهو على ما هو عليه ينتظر على شط السعادة ، ينادي والصدى يرجع أنين ، وهو يقر ويعترف ، أن اللقاء دائماً نصيب ، ولكن أمله ، ( اللقا حتماً قريب ) .
وقبل أن يدق باب الملحمة ، يرجو منها التقاط أنفاسها بالراحة والتي تجلعها في تهيئة لهذا المقام ، وهو لا يبتعد عن تواصله مع الفيشاوي .. يا فيشاوي / صب لموون / دي القاعده صباحي .. ولأنه الفارس المصري الأصيل يطلب منها أن ترمي حمولها عليه .
وفي افتتاحه الرومانسي يقول : ” عصفوره تنسج / حلمها الوردي / في المشربيه رموشها شاورو لي / وانا ع الفيشاوي وقلبي جوه الخان / خان الخليلي بيشرب / م الحسين أنوار ” ، وهو استحضار طيف الحبيبة مصر في صورة فنية تعلن عن عاطفة الانتظار .
وفي موضع آخر بالديوان تتصدر الصور الجزئية ، الفقرة العاطفية ، وتتوالى حتي تلج هذه الصور وتنسجم وتتناغم في بعضها ، في لوحة فنية كلية ، لا تصعب على القارئ الاستمتاع بها ، فهي محملة بدلالة المعنى والغاية ، فيقول : ( أنا وهيّ / وكات القهوه تالتنا ، نسيم الروح مبعتر جوّه ضحكتنا / ولما أبص في مرايتي / واشوفك نور في وجداني / عيونك تحكي موالنا / تدوب النظره في حناني / أضم الشوق وأشتاق لك / وأحلم روحي بتقابلك / حروف الحب تتناغم على قدك / وتبدر فيض بساتينك بورد أحمر / دا من خدك / ندى من عطرك الفواح / بيملا قلبي بالأفراح / مسا وصباح / عيونك بحر أشواقي / حضنتك والنسيم دافي / معاكي تحلى أوصافي / وهبتك عمرى انا الباقي / ولا هقدر على بعدك ) ، هذا المقطع الممتلئ بالصور والتشبيهات المتلاحقة والتراكيب المتناسقة ، ، والصور الجزئية التي تفضي بعضها إلى بعض ، وتمتزج مع الأحاسيس والمشاعر ، لترسم اللوحة الفنية الكلية ، كما ذكرنا ، لحالة من الحب ، والغرام والغزل ، لتصبح صورة رومانسية تفيض بعواطف أخرى هي حميمية القرب والانتماء والوطنية .
ويبدأ عمليه استحضار أخرى ، لعظمة مصر ، بامتلااكها لأزمنة وأمكنة وشخصيات ، لا تمتلكها بلاد أخرى على أديم البسيطة ، وبفلاش باك على قصة سيدنا موسي وحكايته ، ” وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”، لتأخذه امرأة فرعون من النيل ، ليتربي في قصر زوجها ، ويشب شابا قويا يافعا ، ثم يلجأ إلى مدين بعد أن قتل نفسا ، ومن مدين إلى أرض سيناء ، وهناك يكلمه الله ويكلفه بالرسالة ، ويعصى فرعون ربه ويتحدى سيدنا موسى بالسحرة ، وتغلب معجزة الله ما أتى به السحرة من السحر ، ويؤمنون بما جاء به موسى ، وفي ذهابه ببني إسرائيل يتبعه فرعون وجنوده ، وينقذه الله وقومه بمعجزة أخرى هي شق البحر وتجمد الماء بضرب العصا ، ويغرق فرعون وجنوده .
ونرى الحكمة من هذه البداية هي استحضار عظمة مصر التي تربى فيها سيدنا موسى وهارون ، وتربى فيها يوسف بن يعقوب ، ولجأ إليها المسيح وسكنها هو وأمه مريم العذراء ، وولد فيها إدريس ، عليهم جميعا السلام ، وحالة أخرى ، حين أرسل الرسول صلوات الله عليه إلى المقوقص عظيم أقباط مصر برسالة يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه المقوقص مارية القبطية ، التي تزوجها سيدنا محمد ، وأنجب منها سيدنا إبراهيم ، الذي مات في طفولته ، وإشارة أخرى إلى شهادة سيدنا محمد في أهل مصر ، والتي استخلصنا من معناها ، والكلام موجه للصحابه رضوان الله عليهم ، إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا من أهلها جنودا ، فهم في رباط إلى يوم القيامة ، ووصية الرسول إلى قادته بأن لا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا شيخا أو طفلا أو امراة ، لإظهار عظمة الإسلام في الغزوات .
لقد حشد صلاح يوسف كل هذا في مقاطع شعرية متضافرة ، والتزامه الوطني ، أن يقدم قيمة حقيقة للإبداع الشعري .
واستطاع أن يقسم ملحمته إلى قصائد تشملها حالات تاريخية للعصور كما هو بالديوان .. ( ما بعد الصحابة ، الأمويين ، العباسيين ، الفاطميين ، الأيوبين ، المماليك ، محمد علي وأسرته العلوية ، الفرنسيين والإنجليز ، جمال عبد الناصر ، عصر النصر 73 ، السلام ، الثورة )
ومع تخيله بأن الحبيبة معه ، يمسك بطرف بداية الفتوحات الإسلامية ، حيث يرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الصحابي عمر بن العاص ، والذي أطلق عليه أرطبون العرب ، لدهائه وعبقريته ، ليرمي به أرطبون الروم ، الذي اتصف بالدهاء والخداع والمكر في الشام ، وتدور رحى المعارك ، ويقهر جيش الإسلام الصعاب ، وتطهر أرض الشام والأرض المقدسة ، من غزة إلى نابلس ، وعسقلان ، والقدس ، وفي القدس كانت وقفته بأوامر عمر بن الخطاب الخطاب ، ويقول صلاح يوسف .. ( أرطبون العرب ذل أرطبون الروم ) ، وينتقل الشاعر بقوله ” حبك في قلبي اشتعل ، والقاعده مالها لزوم ” ، حيث كان الهدف ” غزو مصر ” ، والتي سمع صوتها وهي تنادي ، وبيقين يقول : ” جي لك صباح نادي ” ، بعد الليل والمآسي التي لاقاها أقباط مصر من حكم الرومان .
وتبارك خطواتهم على اثر خطوات الرحلة المقدسة ، من العريش إلى المساعيد ، والعبد ، إلى بلبيس ، وينتصر جيش الإسلام ، ويبني المسلمون مسجدا ، اطلقوا عليه اسم ” سادات قريش ” ، تيمنا بصحابة رسول الله ، وجيش الإسلام يتحلى بالصبر ، وأمام حصن بابليون ، الذي بناه تراجان في وقت الاحتلال الروماني ، وتمر الأشهر الصعاب ، ويتحصن البيزنطيون خلف الحصن ، حتى انهار الحصار بعد سبعة أشهر ، ويفتح المسلمون مصر في ترحيب أقباطها بهم .
لقد عبر الشاعر بما لديه من ثقافة تاريخية عن أحد وأهم الفتوحات الإسلامية الرائدة ، التي قادها الصحابي عمر بن العاص في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويبنى المسجد الأعظم ” عمر بن العاص ” ، ليكون أول المساجد بالقاهرة .
ويتوالي على مصر الولايات ، من بعد عمر بن العاص ، حيث عزله أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه عام 24 هجريا ، قبل أن يعيده عليها معاوية بن أبي سفيان ، ويموت بها عام 43 هجريا .
ويليه عبدالله بين أبي السرح ، وكان واليا على الصعيد في عهد عمر بين الخطاب ، ثم ولاه عثمان بين عفان مصر ، وغزا أفريقيا ، وغزا ذات الصواري ، وأساور ، ما بين 24 هجريا إلى 35 هجريا .
واغتصب محمد بن أبي حذيفة الولاية من عبد الله بن أبي السرح
ثم اغتصب قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الولاية من محمد بن أبي حذيفة ، وولي عليها الأشتر مالك بن الحارث النخعي ، ومات قبل أن يصلها في قرية الألج ، كانت بعيدة عن الفسطاط .
وتولاها محمد بن أبي بكر ، بعد الأشتر ، ثم أرسل معاوية عمر بن العاص إلى مصر مرة أخرى ، وحبس محمد بن أبي بكر وانتهت بمقتله .
وبرغم أن الموضوع أكبر من أن تحتويه قصيدة ، إلا أن الشاعر صلاح يوسف أوجزه ، بملامح وإشارات ، تفي معرفة فترة تاريخية ، بأحداثها المهمة .
واستقر الحكم لمعاوية بن ابي سفيان بتنازل الحسن بن علي بعد وفاة والده ، وتوقفت الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات ، ورتب معاوية الحكم من بعده لابنه يزيد يرثها من بعده ، واستمرت الدولة الأموية تسعين عاما وانتقل الحكم الى أبناء عمهم العباسيين بعد معركة بين الأمويين والعباسيين ، انتهت بهزيمة الأمويين .
وتبدأ الخلافة العباسية بأبي عباس السفاح ، ثم انتقلت لأخيه أبو جعفر المنصور ، ومضت الخلافة في ذريته ، واستمرت دولة العباسيين خمسمائة سنة ، ولكن الدولة الإسلامية لم تستمر موحدة ، فقد أنشأ الأمويون دولة جديدة في الأندلس ، عندما تمكن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك من الفرار إلى الأندلس وأقام دولة أموية هناك .
ومن الحكم العربي الراشدي ، إلى الأموي ، فالعباسي ، فالطولوني ، والعباسي مرة ثانية ، فالإخشيدي ، فالفاطمي ، فالأيوبي ، فالمماليك ، أحمد بن طولون ، فالعثمانيون ، فالمماليك مرة أخرى ، على يد علي بك الكبير ومحمد أبو الدهب ، مراد بك ، إبراهيم بك، حتى قدوم الفرنجة عام 1798م ، ثم احتلال عثماني 1801م ، ثم تأتي الأسرة العلوية ، وهي سلالة مصرية ذات أصول ألبانية ، أسسها محمد على باشا 1805م ، من الباشوات والخديوات من نواب السلطان ، واستقل بمصر ، وحقق محمد علي باشا نهضة في التعليم والزراعة والصناعة ، وتمكن حفيده اسماعيل ، أن يستقل بمصر ، وواصل الخديو توفيق ، ثم حفيده عباس حلمي ، وعلى هذا الطريق استكمل بناء الدولة الحديثة ، وبسبب المشاريع الضخمة مثل قناة السويس ، وفتح السودان ، وبناء السكك الحديدية ، والمتاحف ، ومحاولة تقليد النظام الأوروبي الحضاري ، أصبحت مصر مدينة بأموال ضخمة لكبرى القوى الأوروبية ، ( فرنسا وانجلترا ) وكان السبب المباشر لدخول القوات البريطانية إلى مصر 1882 ، ثم أصبحت منذ عام 1914م تحت الحماية البريطانية ، وقامت العديد من الثورات الشعبية ، وأصبحت مصر سلطنة ويحكم حسين كامل ، وفؤاد الأول ، حتى معاهدة 1936 ، وانتهى عهد الملكية في مصر بقيام ثورة 1952 م والإطاحة بالملك فاروق ، وإصبحت مصر ، جمهورية مصر ، بقيادة اللواء محمد نجيب ، وكانت نهاية حكم الأسرة العلوية 18 يوليو 1953م ، ثم يأتي الزعيم جمال عبد الناصر ، ثم يشير الشاعر إلى عصر النصر ، فالسلام ، ثم الثورة .
ونعود إلى سياق التسلسل الذي بدأناه سالفا ، وفي عصر الفاطميين لأظهار جماليات هذه الحقبة الزمنية ، وهو ما زال يجلس على الفيشاوي ، وليل البلاد حزنان ، ورغم ذلك يهدهد قلبها ، ” فمتخافيش يا حبيبتي ” ، نجده ينادي ، ” يا فاطمه الزهراء / ويا قلب قلب النبي / روح الحسين بتهتف / والأمل في طلعة الصباح الفتاح ” ، وينتقل إلى زمن المعز لدين الله الفاطمي ، وبعد السكون والدم الطري على الملامح ، يأتي الأمل ” فوقي يا مصر وزغرطي ، باستقبال رأس الحسين ، برغم الأحزان التي غمت الناس ، إلا أن الخير في بشرى النبي له بالجنة . ويأفل نجم الأخشيدي ، ويجيء زمن جوهر الصقلي ، وبناء الجامع الأزهر ، وفي عهدهم تزينت القاهرة الفاطمية . لقد أحسن الشاعر طرح المشهد الذي صور استقبال المصريين ، لآل بيت النبي ، ومن يفعل ذلك غير الشعب المصري المحب لله ورسوله وآل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليه .
وأما عن فترة المماليك ، فكانت أهم ملامح هذه الفترة ، هو استقدام الخليفة العباسي ، المعتصم بالله جنود تركمان ، ووضعهم في الجيش ، كي يعزز مكانته ، بعد فقد الثقة في العرب والفرس ، التي قامت عليهم الدولة العباسية ، ولقد شجع الخلفاء والحكام آخرين في جلب المماليك . وقامت هذه الفترة على سيف الدين برقوق ، وعز الدين أيبك ، وطومان باي ، أما عن شجرة الدر ، فقد كانت جارية حررها السلطان الصالح نجم الدين أيوب ، وتزوجها ، ولمّا مات تزوجها عز الدين أيبك ، وشاركت أيبك الحكم ، وماتت بضرب القباقيب ، وفي هذه الآونة كان سيف الدين قطز الذي تولى بعد وفاة عز الدين أيبك ، وقهر قطز والظاهر بيبرس التتار المغول في عين جالوت ، ولم يكن من الغريب ، أن تعرّف مماليك صلاح الدين الأيوبي بالمماليك الصالحية ، ولقب بالملك الناصر ، وتحرر القدس والمسجد الأقصى على يديه بهزيمة الصليبيين ، أما عن انتهاء مملكة المماليك ، على يد سليم الأول العثماني ، بهزيمة السلطان طومان باي .
وعند عبد الناصر والثورة وبداية حكم المصريون لبلدهم ، ورغم جنون الإعداء الذين توحدوا بعدوانهم الثلاثي ، ( انجلترا ، فرنسا ، إسرائيل ) لضرب مصر ، إلا أن الزعيم جمال عبد الناصر ، يأمم قناة السويس ، وينتصر المصريون على الأعداء في بورسعيد الباسلة ، وفي قوة وتحدي تبني مصر السد العالي ، برغم تخلي الإمريكان ، ورفض صندوق النقد الدولي تمويل السد ، تم بنائه بدعم الروس ، وتُبنى المصانع وتزدهر الصناعة المصرية ، وتُمّلك الأراضي للفلاحين ، ويقضى على الإقطاع والرأسمالية والاحتكار ، وكيف تنعم مصر بحريتها في ظل العيون المتربصة لها ، فاعتدت إسرائيل على أرض سيناء واغتصبتها ، وانتكست مصر في 67 ، ولن يقبل الشعب المصري تنحي عبد الناصر ، وخرج عن بكرة أبيه يرفض التنحي ، وتبدأ حرب الاستنزاف ، التي كبدت أسرائيل من جنودها وعتادها الكثير ، وينتقل الحكم إلى السادات بعد موت عبد الناصر ، ويأخذ قرار الحرب ، وفي اكتوبر 1973م يسترد جيش مصر أرض سيناء من الإسرائليين في حرب الست ساعات ، ويُغتال السادات رجل الحرب والسلام ، ويعلن الشاعر عن موقفه السياسي ، بأنه مع السلام ، ولكن يرفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ، ويحكم مبارك مصر أكثر من ثلاثين عاما ، وتقوم ثورتان أطاحتا بحكمه ، وينعي الشاعر زمان ، وله الحق فيما يراه ، حيث يطرح رؤيته وموقفه ، وما وصلت إليه الأحوال ، في مقطع شعري بدلالة المعنى .. وفين القمح والمصنع / وفين زرعي اللي كان أخضر / واحشنا يا قصب سكر / وفين القطن أبو تيله / وجاب النيل بدال الطمي جاب نيله / وعيشه ماشيه بالتيله / وكتاني وبستاني / وايد شقيانه علشاني / يا جيل يتحالا بالتاتوه / وبالبوكسر / وراح صلبي وبان غلبي / وفين المصنع الحربي / رجال أعمال وجايه في زمن أغبر / جواز المال مع السلطه / بقت سلطه .. إلى آخر التحولات والإسقاطات التي ساقها في هذه القصيدة بعين الناقد السياسي ، والتي عبر فيها عن اقتحام الثقافة الغربية ، وتأثيرها على الشباب ، وانحلال الأخلاق ، بضياع الدين ..!!
ولكن وبرغم كل هذا يجعل مصر تتحدث عن نفسها في أروع ما تقدمه من عظمة وفخر وأمل لا ينقطع .. فيقول بلسانها ( طول عمري صالبه الضهر قدام الطاغوت / فرعون غرق من نظرتي وموسى ما خاف / وانا كنت روح موسى في السبع العجاف / العدرا ظاهره بروح محبه للعدّى وقال عواف / هزت في جذع النخله طابت م الرطب / ضمت وليدها تبل ريقه م الجفاف / نور النخيل لما لمحته أهدته هاجر / أم الطهاره والعفاف / أم اسماعيل اللي صدق / زمزم بتحضن كفها والخوف مرق / والمصطفى م الضلمه قام شرق / طول عمري عزه ومجد / فخر وكبرياء / من أي داء أو ابتلاء / بصلب في عودي ما هانتني / انا عمري ما اضعف واستكين ولا هانحني / ولا فيه عدو هيشقني / أنا مصر …. فخر …. لكل عصر بدون حدود …. بشهامه …. أرفع راسي …. بولادي الجنود / يكفيني …. الله الغني . ويختار .. ( أنا مصر / فخر لكل عصر بدون حدود / بشهامه / ارفع راسي / بولادي الجنود / يكفيني / الله الغني ) .. ليكون اللازمة والمرّجع الرائد والذي يختم به الكثير من الحكايات.
ولأن كل تجريب يحتاج إلى وعي ، والوعي تسبقه قراءة واطلاع ، فقد وفق صلاح يوسف في أحاسيسه ومشاعره ، وهو يكتب الرومانسية ، وأيضاً وفق في استدعاء تلك الأحداث العظيمة من الماضي السحيق ، في تجربة فريدة ، هي الملحمة التي أراد تقديمها للمكتبة المصرية والعربية ، فهي قصيدة طويلة لو أننا حذفنا العناوين ، تحكي مسيرة أو سيرة تاريخية ، مشحونة بالأحداث ، التي أحدثت تحولات غيرت وجه التاريخ ، ووضعت مصر على مشارف كل مرحلة من السكون للحركة ، ومن الحركة للسكون ، تغير وجه الولايات والحكام ، وأوجه البلاد ، والنفوس البشرية ، والصراعات على الحكم ، كما أن التجربة أفادت بأن مصر دائما تترصدها عيون الأعداء ، كما أوضحت ، ولمدى أهمية موقعها الجغرافي والتاريخي والاستراتيجي / في ملتقى قارات العالم ، فهي ملتقى أفريقيا وأسيا ، وقريبة من السواحل الأوروبية ، وأهمية قناة السويس كما ذكرنا سالفا ، والتي تربط بين الشرق والغرب ، وغزاها الفرس والرومان والبطالمة ، وهي تحتضن العديد من الحضارات ، المصرية القديمة ، واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية ، وهي وحدها تمتلك ثلث آثار العالم ، وهي الساحرة بطبيعتها الجميلة ، وتُحسد مصر من أجل عظمتها وتاريخها .
والحقيقة أنني حين أردت الاستشهاد بمقاطع شعرية لسردي التاريخي المنبثق من حكاوي صلاح يوسف ، وجدت أنني يجب ويلزم الاستشهاد بكل ما كتبه الشاعر ، بمعني أن أستشهد بالديوان كله ، وكان من الصعوبة ، وكان ميلي إلي هذه الطريقة النسقية لقصائد الديوان في الوصف والشرح والتحليل على قدر ما ألهمني الله ، وبقدر ثقافة متواضعة لمواكبة هذا الزخم الرائد في هذه الملحمة .
ولقد أحسن الشاعر استخدام السطر الشعري الذي ينطق بالإيقاع المتسق مع الفكر والأنفعال والإدراك الحسي ، ويتجسد كل هذا في البناء الإيقاعي ، مع اتساق المفردات ، ليتضح من خلال هذا إظهار الدلالة والغاية . وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول : ” ولادي دنيتي وبيتي / بنيتهم طوبه فوق طوبه / في عز البرد في طوبه / وليه يا دنيا معطوبه / وتييجي عندي مقلوبه / برغم الشرخ في قلبي / وبرضه العفه مطلوبه / وأمري جي من ربي / ينوّر في الأمور دربي / وعمري ساقيه بتدور بي/ هاتفضل عزتي قامه “.
وبرغم أن هذه الدراسة أرهقتني بمتابعة هذا الحشد التاريخي لفترات امتلأت بالأحداث المتباينة والمتغيرة التي غيرت أوجه الحياة في تلك العصور في مصر ، إلا أننى سعدت بالسياحة في عالم الديوان / الملحمة للشاعر صلاح يوسف . وأتمنى له الانتقال إلى تحفة أدبية أخرى ، لإثراء المكتبة المصرية والعربية .
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏وقوف‏‏
الكاتب الصحفي
نبيل مصيلحي
عضو اتحاد كتاب مصر
صباح الجمعة 11 من نوفمبر 2022 م