سعيد الصاوي عاصفة تسكن الجليد ..حاورته دعاء أحمد شكري

★شاعر هادئ رغم ثورته و تمرده ، شاعرنا مشوار حياته ممتلئ بالمغامرات .
أهلا بك شاعرنا سعيد الصاوي ، الشاعر الذي يتشبث باسم والده لدرجة الاقتباس ، و إن أخطأ أحدٌ و ناداه أ. سعيد ، ينتفض و يقول : – اسمي الصاوي لو سمحت .. !!
أتحب والدك الي هذا الحد ، و هل تنتشي لسماع اسمه ، أم كنت تتمنى لو كنت أنت هو ؟ ، أم لست راضيّا عن اسمك؟ ، أما ماذا..؟
– بداية والدي اسمه (محمد و شهرته مختار) ، أما (الصاوي) فهو اسم العائلة المنتمي لعصرٍ مصريٍ قديم ، اشتهر بالازدهار ، و ذلك في عصر الدويلات ، و تحديدّا الأسرة ٢٦ ، عام ٦٦٣ قبل الميلاد .
و لأن تاريخ الأسرة يمتد هذا الامتداد التاريخي ، و لأنه كان عصر نهضة و ازدهار ، فحقٌ عليً أن أفتخر بانتسابي إليه ، و أن أنقل هذا الافتخار إلى باقي أفراد الأسرة ، ليظلوا متماسكين متحابين محافظين على انتمائهم لهذه الجذور الضاربة في القدم .
و أنا عندما أتمسك بأن أنادى بهذا الاسم ، فأنا أضع – باختياري – رقيبّا ، يصاحبني في كل مكان ، و يذكرني دائمًا بتاريخ الأسرة ، الذي لا يجب أن أفعل ما يسيء إليه .
أما مسألة أنني كنت أريد أن أكون أبي ، فهو ما لم يخطر ببالي ، و لا أحبذه ، و لا أدعو إليه ، و لا أريد لابني أن يكون مثلي ، فلكل عصر تأثيره في تشكيل الشخصية ، و أظن أن سيدنا علي رضي آلله عنه هو القائل ” ربوا أبناءكم على غير أخلاقكم ، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم ” .
و لذا فما حرصت على التمسك به من والدي ، و ما أحرص على توريثه لابني و ابنتي ، هو الأخلاق الحميدة ، و التمسك بالحقوق ، و الوقوف مع المظلوم ضد الظالم أيّا كان ، و أظن أن هذا خير ما ورثته ، و خير ما أورثه .

★تكتب شعر العامية ، و تكتب الفصحى أيضًا ، متمسك بلغتك العربية ، وتغار عليها غيرة العاشق ، بل تعتز بها للدرجة التي تجعلك تثور ثورتك الهادئة ، إذ سمعت أحدّا ينطق كلمةًّ إنجليزيةً أثناء حديثه بالعربية ، و جميعنا سمع منك عبارة ” لا تقل زيرو ، بل قل صفر” ، و ” لا تقل ميرسي ، قل شكرًا ” ، و معروفٌ عنك أنك تتمنى ألا نتحذلق بكلمة أعجمية أثناء الحديث بالعربية ، فهل نجحت جهودك في ذلك ؟
-النجاح يأتي ببطءٍ شديدٍ ، و لكني مؤمن بأن الإصلاحات الكبرى لا تتم بين يومٍ و ليلة ، و هو ما يجعلني حريصًا على حث من يؤمن بدعوتي ، أن يتبنى هو أيضّا الدعوة ، و ينشرها بين الناس ، و هكذا تتسع الدائرة ، و تعود اللغة العربية لما كانت عليه من ألقٍ دام لما يقرب من ألفي عام ، و كان لها نتاجٌ أدبي ، استحق الفوز بجائزة نوبل .
و مما يدعو للاستياء و التعجب ، أن الأمم المتحدة أكبرت هذه اللغة ، و أقرتها كإحدى لغات التعامل في جلساتها ، و خصصت لها يومّا سنويّا للاحتفاء بها ، في الوقت الذي يستهين بها أبناؤها ، و يفتخرون باستعمال بعض ألفاظٍ من لغاتٍ أخرى لا يجيدون التحدث بها .

★أعلم أنك تطبق مبادرتك على نفسك ، فلم نسمعك تنطق كلمةّ فرنسيةّ واحدةّ أثناء تحدثك العربية ، رغم أنك تتحدث الفرنسية بطلاقة ، فما سبب إجادتك للغة الفرنسية تحديدّا ؟
– في سبعينيات القرن الماضي ، بدأت ظاهرة سفر الطلبة للخارج ، للعمل في مزارع العنب أو غسيل الصحون ، و ذلك أثناء الإجازة الصيفية ، و هو ما كان يعود على المسافر ببعض المال ، و بعض الملابس المتميزة عما يلبسه باقي زملائه ، ذلك أننا كنا ما زلنا في هذا الوقت لم نخرج من عباءة الاشتراكية ، و دخلنا محدود و ملابسنا متشابهة .
و حينها اخترت السفر إلى فرنسا ، رغم عدم إتقاني للغتها ، بل و لن أخفي أنني كنت قد أعدت الثانوية العامة بسبب رسوبي في اللغة الفرنسية ، فقد كان الرسوب في مادة واحدة – في هذا الوقت – يستوجب إعادة العام الدراسي كله .
المهم أنني سافرت و تعرضت لمواقف كثيرة ، و تعنيفات من صاحب العمل ، كان يمكن أن أبرئ نفسي منها بكلمة ، و هنا اتخذت قراري بضرورة تعلم اللغة ، و منذ البداية حرصت على ضرورة الحفاظ على اللكنة الباريسية ، فكنت أنتبه انتباهّا شديدّا لكيفية نطق الفرنسيين للكلمة ، ثم أحرص على استخدامها بشكل متكرر ، و مع ازدياد الكلمات ، زادت قدرتي على تكوين جملة ، و مع استخدام الجمل ، ظهرت الحاجة لتمييز الأزمنة (ماضي و حاضر و مستقبل) ، و هكذا تمكنت من إجادة التحدث باللغة ، و هو ما أتاح لي العمل كجرسون ، مما ساعد أيضًا في استمرار تحسن مستوى اللغة ، إلا أن تمكني اللغوي ظل في إطار التحدث فقط .
و عندما عدت إلى مصر التحقت بالمركز الثقافي الفرنسي ، لأنتهي من دراسة مستوياتها الإثنى عشر ، ثم ذهبت إلى أبعد من ذلك لأدرس عددًا من ساعات الترجمة لا أذكر مقداره ، لأن دراسة الترجمة ، تُحسب بالساعات .

★حين تتحدث عن فرنسا تلمع عيناك وكأنك تتحدث عن معشوقتك ، فما السبب ، وكم كانت مدة بقائك هناك ؟
توفيت والدتي و أنا في مرحلة الطفولة ، فما كان من أبي إلا أن تشدد في حرصه علينا ، فلم نكن نخرج إلا لبعض الأقارب ، و لم نكن نذهب إلى أي مكان إلا معه ، لدرجة أنني لم أذهب وحدي إلى ميدان التحرير ، إلا و أنا ذاهب إلى مكتب التنسيق لتقديم أوراقي إلى الجامعة .
و من هذا الانغلاق سافرت إلى فرنسا ، لأرى عالمًا منفتحًا في كل شيء ، و حيث أنني كنت في العشرين من عمري ، و حيث أنني أمضيت هناك ستة أعوام من عمري ، فقد كان لوجودي هناك في هذا العمر المبكر الأثر الكبير في تكوين الشخصية ، و هذا الانفتاح ، و ما رأيته ، و ما سمعته ، و ما تعلمته ، جعلني أعشق هذ البلد الذي انبهرت بكل ما فيه .
و الذي زاد من إعجابي و حبي لهذا البلد ، سفري بعد ذلك للسعودية ، و هناك كانت المقارنة دائمًا في صالح فرنسا ، فكنت كمن خرج من الجنة إلى النار .
عد بنا بآلة الزمن إلى فترة وجودك بفرنسا ، و اجعلنا نعيش معك أصعب لحظاتك هناك؟
أصعب لحظة مررت بها ، كانت في بداية وجودي هناك ، حيث تدهور بنا الحال ، و لم يجد الكثير منا عملاً ، و كنت واحدًا من هؤلاء الذين لم يجدوا عملاً ، وصلت أخبارنا للرئيس أنور السادات ، فأرسل طائرات لإعادتنا مجانًا ، و مع مرور الوقت ، و اقتراب موعد إقلاع آخر طائرة من ذلك العرض ، و مع استمرار عدم عثوري على عملٍ ، كانت عواصف الصراع بداخلي تشتد ، هل أقبل العودة المجانية ، و التي تعني فشل أول عمل مستقل في حياتي ؟ ، أم أبقى مع توقع المزيد من المعاناة ، في ظل النقص المستمر لما كان معي من نقود ؟ ، و في النهاية ، كان قرار البقاء ، مع تهيئة النفس لتحمل كل ما يمكن أن يستجد من صعوباتٍ و معاناة ، فأنا لا أقبل الفشل بسهولة .
حلق بنا فى سمائك الفرنسية وجسد لنا أجمل لحظاتك ، وإن أمكن مغامراتك ، واسرد لنا أول قصيدة فرنسية ، أقصد ألهمتك بها فاتنة فرنسية ؟
بالطبع كانت أجمل لحظة هي التي وجدت فيها عملاً ، فقد كان ما تبقى معي أقل من عشرة فرنكات ، و كان ذلك بعد شهرين كاملين من وجودي في فرنسا .
أما أبرز مغامرة ، فقد كانت سفري من باريس لمونبلييه بطريقة ال(أوتوستوب) ، و هي طريقة تعتمد على استيقاف السيارات المتجه إلى المكان المراد الذهاب إليه ، لتقلنا إلى هذا المكان مجانًا ، ، و بالطبع هذا الأمر يتم على مراحل متعددة ، نسيت أن أذكر أن المسافة كانت تزيد عن ثمانمائة كيلو متر .
أما بالنسبة للشعر ، فقد كنت ما زلت في أول الطريق ، و لم يكن طريقي فيه قد اتضح بعد ، و بالتالي فلا الفاتنة و لا غيرها ، ألهمتني بكتابة أي قصائد .

★”ثناء” هى أول قصيدة كتبها الصاوي؟ فهل لك أن تقص على القراء قصة هذه القصيدة ؟
– في بداية طريق الشعر ، شعرت بإرهاصاتٍ ، لم أكن أعرف إلى أين سوف تقودني ، و عندما رأيت فتاة كانت تقف يوميًا على محطة الترام ، سعيت إلى معرفة اسمها ، و لما كان هذا الاسم هو (ثناء) فقد بنيت عليه أول نص ، و الذي أذكر أن مطلعه كان
اسمك تناء و صفاتك حسناء
أنتِ شربة ماءٍ للعاطش المستاء
و بالطبع كان النص مليء بكل عيوب البدايات ، ولكن الجدير بالذكر أنني لم أكلم هذه الفتاة مرة واحدة ، و لم تعرف حتى أنها كانت سببًا في اندفاع خطاي إلى أول طريق الشعر .

★سعيد الصاوي شاعر عمل فى الهيئة العامة للكتاب ، صدفة ؟ و طبعت له عدة دواوين عبر الهيئة التي عملت بها ، ألا ترى أنه أمرٌ مثير للجدل ؟
– بالنسبة لعملي في الهيئة فقد جاء بالصدفة فعلاً ، فقد تم الإعلان عن آخر مسابقة توظيف سنة 1996 ، و أخبرني عنها بعض أصدقائي ، و لكني رفضت الفكرة بحجة أنني شاعر ، و لا أحب تقييد روتين العمل الحكومي ، و لكن أصدقائي أقنعوني أنه العمل المناسب لي كشاعر ، حيث سأعيش وسط الكتب ، و أحتك بمؤلفيها ، و منهم الشعراء ، و هنا لا بد أن أعترف لهم بالفضل ، لأن عملي بالهيئة قد عوضني بالفعل عن طول غيابي عن مصر ، و جهلي التام ب خريطة الوسط الأدبي و رموزه ، و كان التعويض الحقيقي و الأكبر ، عندما التحقت بفريق العمل المشرف على الأمسيات الشعرية بمعرض الكتاب بقاعة 6 أكتوبر ، و مخيم عكاظ ، و ذلك بقيادة الشاعر الكبير المرحوم د. محمد أبو دومة ، و من خلال هذا العمل ، اقتربت أكثر من كبار رموز الوسط الشعري و توطدت علاقتي بهم ، و كذلك بالكثير من الشعراء عبر محافظات مصر المختلفة ، و هو ما مكنني من تحمل مسئولية هذه الأمسيات منفردًا فيما بعد .
أمَّا عن دواويني التي طُبعت في الهيئة ، فالمطلع على تواريخ الطباعة ، ومقارنتها بتواريخ الطبع ، يدرك أن كل ديوان قد استغرق حوالي أربع سنوات للخروج للنور ، و هو ما يدل على عدم وجود شبهة استغلال ، و لكي تكتمل الصورة ، لا بد أن أذكر أنني لم أحاول الاقتراب من كبار مسئولي الهيئة ، لأني كنت أشعرهم دائمًا أنني – رغم صغر موقعي الوظيفي – لست أقل منهم ، و أنني عندي ما لن ينتهي عند بلوغي السنين من العمر ، ولن أكون في يومٍ من الأيام “الشاعر سابقًا سعيد الصاوي” ، بينما سيسبق مناصب الجميع مهما كانت ، كلمة (سابقًا) ، و برغم أنه قد حدث ما جعلني مقربًا من القيادات ، إلا أنني حرصت على ألا أستغل هذا القرب ، فلقد سمعت بأذني تقولات البعض على البعض ، و لم أرد أن يتقول أحد عليّْ و يقول أنه كان سببًا في نشر أحد دواويني ، و لولاه لما خرج إلا النور ، فأنا لا أحب أن أكون مدانًا لأحد ، فالدين منقصة ، و لا بد من رده .

★لن أسألك ماذا قدمت للمواهب الواعدة ، فحبهم لك و حديثهم عن اهتمامك بهم ، و بمراجعة أشعارهم ، لدرجة أنهم استهلكوا معظم وقتك ، و الكثير من عطائك لهم يغني عن سؤالي ، ولكن .. هل الصاوي راضيٍ عما قدمه لهم ؟
– بالنسبة لرعاية المواهب ، فأنا أفعلها بكل الحب ، و أعتبر أنها رافدٌ آخر من روافد الإبداع ، بل ربما يكون نوعًا من العمل الصالح الذي يُنْتَفَعُ به بعد الرحيل ، و لأنني حُرمت من هذه الرعاية صغيرًا بسبب غيابي الطويل عن الساحة ، قررت أن أهب ما تبقى من عمري للقيام بهذا العمل .
أما ما لا يرضيني حقًا فهو عدم استغلال البعض لهذه الرعاية ، و عدم إدراك هذا البعض لأهميتها .

★نادي أدب قصر ثقافة عمال شبرا الخيمة ، لم تترشح مرة واحدة لرئاسنه ، رغم معرفة الجميع يأنك البطل والمخرج الحقيقي خلف الكاميرا لأنشطة النادي و فاعلياته ، فما سر ذلك ؟
– السر هو إيماني المطلق بالديمفراطية ، و تداول السلطة بين الجميع ، و هو المبدأ الذي أحلم باتباعه في السياسة العامة ، و لأنني كذلك على يقين بأنني سأغيب عن المشهد ، إن عاجلاً أو آجلاً ، و لا أحب أن يغيب النادي بغيابي .
و لكن يجب ألا ننسى أنني كنت الرئيس الأول للنادي ، مدفوعًا للترشح من الجميع ، تقديرًا منهم لما بذلته من جهدٍ ، أنا و الراحل محمد فهمي درويش ، لإنشاء هذا النادي ، ذلك الجهد الذي استمر ما يقرب من السنوات العشر ، حتى تم إخراجه للوجود بميزانية معتمدة.

★ابتسامة سعيد الصاوي لا تفارقه وان اختلف معه أو جادله أحد ، كيف تسكنك نسائم هذه الابتسامة رغم رياح النفوس العاتية ؟
– أعتقد بداية أن هذه الابتسامة نعمة من الله ، و لكني أؤمن بمبدءٍ أراحني كثيرًا ، و هو : – ما يدخل في دائرة استطاعتي ، أفعله ، و ما لا أستطيع ، فأتركه لله ليتكفل به ، كما أنني أؤمن أن الابتسامة تساهم في تخفيف الكثير من آثار الأوجاع ، و أظن أنني سأسلم الروح و أنا أبتسم .

★الشعراء يكتبون بعدد ملهماتهم، فكم قصيدة كتب الصاوي ؟ .
-أعتقد أنك تتحدثين تحديدًا عن القصائد العاطفية ، و هل هي قصائد مفتعلة ، أم ورائها ملهمة ، و هنا سأعترف أن أي قصيدة عاطفية كتبتها كان وراءها تجربة عاطفية صادقة ، فأنا لا أتسلى بالحب ، و لكني أحيا بالحب ، و في قصبدة بعنوان ظالم من ديوان “خايف” ، أقول عن علاقتي بالحب : –
عشان قلبي أنا حساس
و صادق ويَّا كل الناس
و عمره ما كان بيتسلى
بكام كلمة و كام طلة
و هنا وجب الإشارة إلى أن صفة (العاطفية) لا تعني فقط التغزل بالحبيب ، و بثه لواعج الأشواق ، و لكنها أيضًا تعني كل القصائد المكتوبة نتيجة تقلب العلاقة ، حتى لو وصلت إلى الهجر و الخيانة ، كل هذا يندرج تحت العاطفة ، و كل ما يُكتب تعبيرًا عنه ، هي قصائد عاطفية .
و بالرجوع إلى سؤالك عن عدد تلك القصائد العاطفية ، أقول : – إنني لا أملك إحصاءً دقيقًا ، و لكني سأحيلك إبى ثلاثة دواوين من أصل خمسة ، و هي مجموع الدواوين العامية المطبوعة ، هذه الدواوين الثلاثة ، اقتصرت فقط على القصائد العاطفية ، و أسماؤها بترتيب صدورها هي (قلبين من دهب) ، (كنت فاكر بيكِ حققت الأماني) ، (خُلص الرصيد) ، بالإضافة إلى ديوان الفصحى (لك يا مهجة قلبي) ، أي أن نصف ما أصدرتُ من دواوين هو في الإطار العاطفي ، هذا عدى القصائد المتناثرة في باقي الدواوين .

★لم أسمع يومًا أن الصاوي انتمى لحزبٍ ما ، فما موقفك منها ، وهل ترى أن لها دورًا فعالاً ؟
– الأحزاب نظام مدني مهم و ضروري ، و لكنه يحتاج لفتراتٍ طويلة و مناخ ديمقراطي سليم و حقيقي لكي ينضج ، و يقوى على المنافسة ، لكنه من الأساس قائم على تبني حزمة من الأفكار و الوسائل الإصلاحية ، تختلف من حزبٍ لآخر ، و بالتالي فمن ينضم لحزبٍ من الأحزاب ، لا بد أن يتقيد بهذا الفكر دون غيره ، و هو ما لا يتفق و طبيعة الشاعر المثقف ، الذي يطير بأجنحة الخيال في كل مجالات الفكر المختلفة ، و لا يجب أن يعترف بحدود .
و من هنا فأنا لم و لن أنضم لحزبٍ من الأحزاب ، رغم اعترافي بأهميتهت كمكون سياسي مهم .
لو أصبح سعيد الصاوي رئيسًا للجمهورية ، فما أول التعديلات التى ستقوم بها ، و ما الوزارات التى ستبتكرها ، و الوزارات التى ترى ألا فائدة لها؟
أول قرار سأقوم به في هذه الحالة هو تحرير الإعلام حرية كاملة ، مع احتفاظ الحكومة بقناة واحدة و محطة إذاعية واحدة و صحيفة واحدة ، ليكونوا هم فقط مصدرًا وحيدًا رسميًا مباشرًا لأخبار الدولة و رئيسها و حكومتها ، مع إطلاق حرية التعبير لكل القنوات ، حتى لو وصلت هذه الحرية إلى السخرية مني و من بعض قراراتي ، فالإعلام لا بد أن يكون سلطة مكتملة النفوذ ، فهو نافذة الشعب لمعرفة الحقيقة ، و جميعنا من أول الرئيس لآصغر مسئول ، يعمل عند الشعب ، و من حقه أن يعرف حقيقة ما يفعله من يعملون عند ، و بالتالي فلا حاجة عندي كرئيس لوزارة الإعلام ، و المجلس الأعلى للصحافة .
أما القرار الثاني مباشرة ، إسقاط كل شروط الترشح للرئاسة ، باعتبار أن الشعب قادر على الفرز و التجنيب ، و اختيار من يراه الأنسب ، فهذه الشروط تحمل نوعًا من الوصاية ممن وضعها ، باعتبار أن الشعب لا يعرف مصلحته ، و هو ما أرفضه تمامًا .

أما بالنسبة لاستحداث وزارات جديدة ، فأعتقد أنني لست في حاجة إلى وزارات جديدة ، لكني سأهتم بأن تقوم كل وزارة بتكليفاتها على أكمل وجه .

 

★هل سافرت إلى دول أخرى غير فرنسا؟
– نعم سافرت إلى السعودية ، و مكثت بها تسع سنوات ، و لم أشعر بالراحة في هذا البلد منذ اللحظة الأولى ، حتى يوم الرجوع النهائي ، و ربما كان هذا الشعور بعدم الراحة نابعًا مني أنا و ليس من البلد ذاتها ، فأنا لم أتخل لحظة واحدة عن المقارنة بين السعودية و ما رأيته فيها ، و بين فرنسا و ما رأيته فيها ، و بالطبع تظل المقارنة في صالح فرنسا .

 

★ما هي رؤيتك فى المواهب الواعدة ؟ و هل وجدت فيهم الأبنودي أو أمل دنقل؟ .
– هذا السؤال لا بد أن يحيلنا إلى المقارنة بين عصرين ، فعصر الأبنودي و دنقل كان عصر أدب و ثقافة ، و جماعات أدبية شهيرة ، ك(أبولو) و (الديوان) و (الأدب الحديث) و غيرهم ، و كانت هناك معارك أدبية بين قاماتٍ أدبيةٍ كبرة ، سُجلت في كتبٍ ما زالت مصدرًا للتنوير إلى يومنا هذا ، و كانت القصائد تُنشر في الصفحة الأولى من الجريدة ، و كانت القصيدة هي سيدة الغناء ، فأين نحن الآن من هذا العصر ، و بالتالي فالعثور على أمثال الأبنودي و أمل في الأصوات الواعدة ، أمرُ ليس باليسير و لكنه ليس بالمستحيل ، و يحتاج لمجهودٍ شديد ، من الموهوب ، و ممن يتولى رعايته ، و هناك من أصوات نادي الأدب ، و من خارجه ، من وصل إلى هذا المستوى ، و هناك من هو في الطريق .

★ما رأيك فى ناقدٍ صادمٍ للشباب ؟ ، و ما موقفك من شاعرٍ كتاباته متواضعة ؟ .
– هناك شعرة رفيعة بين القسوة و الصراحة ، القسوة يمارسها شخص لا يرى إلا النص دون النظر لتاريخ صاحبه ، و لا كيف كان ، و كيف أصبح ، و لا تعنيه إلا اللحظة ، أما من يتحمل مسئولية الرعاية ، فلا بد أن يلزم جانب اللين دون أن يتخلى عن المصارحة و المكاشفة ، و دون أن يغفل المستوى التعليمي و الثقافي للأديب محل الرعاية ، و هو ما يجعل هذا الراعي يأخذ الأمور بالتدريج ، تمامًا مثل التعليم المدرسي ، الذي يبدأ بتعليم الحروف منفردة ، ثم ينتقل لتعليم الكلمات ، ثم الجمل ، ثم قواعد اللغة ، و هكذا ، فالأدب أيضًا ينقسم إلى مستويات ، فالشعر مثلاً ، يتكون من موسيقى و صور و تراكيب لغوية و علاقات صوتية … إلى آخره ، و على من يتحمل مسئولية الرعاية أن يشرح هذه الأشياء بالتدريج المناسب . و خاصة مع الأديب المتواضع .
هل صادفت شاعرًا حداثيًا وأبهرك شعره ؟
بداية لا بد أن نعترف أن كلمة الحداثة كلمةٌ مراوغة ، و ليس لها مفهومٌ محددٌ يمكننا أن نتعامل معها عل أساسه ، فهذا المصطلح هو الذي أفرز لنا ما يسمى بقصيدة النثر ، و هو نوع من النصوص يعترف كاتبوه بضرورة أن يكون غامضًا ، و يهتم بالذاتي و اليومي و المألوف ، و هي أشياءٌ لا تصنع نصًا مدهشًا ، فهناك من يتكلم عن جوربه ذي الرائحة الكريهة ، أو من دفع ثمن القهوة التي لم يطلبها أصلاً ، … إلى آخر هذه الأشياء المقززة أو الخالية من المعنى ، و في هذا المجال أرجو من القارئ العزيز أن يقرأ كتاب الراحل العظيم د. كمال نشأت عن الحداثة .
و لا يعني رفضي لهذا النوع من النصوص أنني أرقض التثر الأدبي ككل ، أبدًا فنحن كجيل تربينا على نثر المنفلوطي و الرافعي و طه حسين و ابن حزم الأندلسى و أنيس منصور و غيرهم ، و قرأنا لهم نصوصًا تفوق في جمالها ، قصائد كثيرة .
أما بالنسبة لنصوص بعضهم ، فكل ما ذكرت لا ينفي أن لكل منهم بعض النصوص الجيدة .

★الشاعر سعيد الصاوي، حياتك مليئة بالمصاعب ، و التحديات ، و الألم ، و الجهاد ،
ألم يدفعك ذلك إلى التفكير فى كتابة ملحمة صاوية؟
– بالفعل .. لقد فكرت في تسجيل محطات حياتي ، و ما مررت به من مواقف ، و ذلك في صورة (سيرة ذاتية) ، و وصلت في كتابتها حتى قرب نهاية قترة وجودي في فرنسا ، و أتمنى أن يجد فيها القارئ ما يمتع و يفيد .

★الشاعر سعيد الصاوي، انتهى حاورنا ، رغم أن الإبحار فى مشوارك الأدبي لا يكفيه حوارات و حوارات ؟
أخيرا ما السؤال الذي أزعجك فى حوارنا .
في هذه المرحلة من العمر، لم يعد هناك ما يزعج ، فكل شيءٍ في هذه الحياة متوقع حدوثه .
سعدتُ بك وأتمنى ألا أكون قد أزعجتك .
– بالعكس ، لقد أتحت لي الفرصة للفضفضة ، و التحدث مع جمهور القراء ، في هذه الفترة التي عزّْ فيها الاتصال بالناس ، و أرجو ألا أكون قد أثقلت على القارئ .