ورقة شجر / قصه بقلم : نهى محمود

 

حلّ فصل الخريف سريعاً.. وشارفت حياتى على الانتهاء مثلى مثل باقى إخوتى من أوراق الشجر .. أتذكرعندما كنا ورقات وليدة لونها جميل، تسقط علينا قطرات المطر فتزيدنا جمال .. تهب علينا نسمة رقيقة فنهتز فرحاً بها .. نستيقظ فجرا على غناء العصافير ونراها تتحرك ذهاباً وإياباً بنشاط وتتنقل من غصن إلى غصن ..
كنت انتظر شروق الشمس كل يوم لأرى أجمل منظر فى حياتى المسجد الأقصى فأنا محظوظة لأن أمى شجرة عريقة وهى هنا منذ سنين طويلة تنمو وحيدة على ربوة ترى منها المدينة بأكملها .. وكانت أمى محظوظة أيضاً لأنها لم تنتزع من الأرض مثل باقى الأشجار إما لبناء مستوطنات أو لطمس تاريخ هذه الأرض الكريمة أو لمجرد إزهاق حياة بريئة .
كنت أفكر أحيانا لو كنت بشرا هل كنت سأكون شجاعة مثل هؤلاء أقاتل بإستماتة لأصلى صلاة واحدة فى المسجد الأقصى .. هل كنت سأخشى الدبابات التى أراقبها دائماً من بعيد أو طلقات النار التى أسمعها كل يوم .. لا أعلم ولكن ما أعرفه هو معنى أن تفقد كل أحبائك أمامك وتنتظر دورك ليأتى .. فها أنا أرى أخوتى وقد بدى عليهم الإصفرار بعد الإخضرار والذبول بعد النضرة وأراهم يترنحون ثم يسقطون واحدا تلو الأخر .. ثم تأخذهم الريح بعيدا عن نظرى ويختفوا كأن لم يكن لهم وجود من قبل.
لا أشعر انى فى حالة جيدة.. أحاول التمسك بالغصن قدر استطاعتى ولكن هذا فوق قدرتى فحياتى قصيرة وقد شِختُ كثيراً .. سنترك أمى وحيدة قليلاً ولكن سرعان ما سينمو أخوتنا الصغار ليأخذوا نصيبهم فى الحياة.
كان لى حلم أتمنى تحققه قبل رحيلى هو أن أرى الأقصى حراً وأراه يمتلئ بالمصلين فى جميع الصلوات وأن تعود هذه الأرض أرض السلام والأمان … ربما يتحقق ذلك فى حياة أخوتى الجدد أو من بعدهم أو من بعدهم …
ولكن لى أمنية أخرى هى أن يبعث الله فيَ الحياة مرة ثانية – ليس فى الدنيا ولكن فى الحياة الأخرة – وأن يُشرفنى بأن أكون ورقة على شجرة من أشجار الجنة.

اترك تعليقاً