ما بين الافتراض والوهم مساحة للفكر والوجدان .. قراءة في ديوان ( لو هتفكر ترجع ) .. للشاعر محمود رمضان ..!! بقلم : نبيل مصيلحي

ما بين الافتراض والوهم مساحة للفكر والوجدان .. قراءة في ديوان ( لو هتفكر ترجع ) .. للشاعر محمود رمضان ..!! بقلم : نبيل مصيلحي ــ عندما يفتقد الإنسان آماله في البشر المحيط به ،.

ويضع ( أصابعه العشرة في الشقوق )، ويخيب كل رجاء له فيهم ، وفي مصداقيتهم ، ويتعرض لأزمات لا حصر لها ، فيدخل في مأزق يؤدي إلى آخر ، بمعنى ( يطلع من نقرة يقع في ضحضيرة ) ..

ولم يجد من يلجأ إليه ، إلا السماء ( التي لم تؤذ أحداً بعد ) ، السماء الملجأ الآمن ، الذي يفيض بكنوز الخير والأمن والسلام والحب والرحمة ، يستعين بها الشاعر للخروج من دائرة اليأس ، .

فإهداء الديوان هو فريد من نوعه ، وهو عنوان رسالة إلى رب البشر. الديوان يحتوي على ( 37 ) قصيدة / حالة افتراضية ، تقدمها ( لو ) ، تفتح لها أبواب الخيال والواقع وأبواب الفكر والوجدان ، .

وأبواب الحكمة والفلسفة ، من خلال التطواف في ثنايا العالم الافتراضي ، وتسخير هذا الافتراض لإماطة اللثام عن بعض مكنون النفس البشرية من صراع بين النور والظلام . و( لو ) في القواميس تعني الكثير ، .

وفي هذا الصدد ، أرتاح لقول ( لو ) التي استخدمها الشاعر ، هي التي لم ترُّد الماضي مستقبلاً . استهل الشاعر محمود رمضان عنوان ديوانه بــ ( لو ) وأردفها بــ ( هتفكر ترجع ) .. ولو هنا قد تفتح أبواباً كثيرة ، .

فهل اللو تفتح أبواب الشيطان ، أم تفتح أبواب الحسرة والندامة ، أم تفتح أبواب الرضا والقبول ، أم تفتح أبواب الأمل والرجاء ، أم تفتح أبواب التوجيه والإرشاد والتقويم ، أم تفتح أبواب التحريض والكف ، .

أم تفتح أبواب الامتناع ، أم تفتح أبواب التقليل ، وغير ذلك مما يشير إليه مدلول الحرف مع اقترانه بباقي العبارة، فهو وحده لا يعني غير ذاته ، فإذا انتسب لعبارة ما ، كانت الدلالة والمعنى . .

ولجأ محمود رمضان إلي إقران لو .. بــ ( هتفكر ترجع ) ، والتفكير عملية ذهنية ، وحصرية على الإنسان ، الذي كرَّمه الله سبحانه وتعالى ، بنعمة العقل ، فميزه عن سائر المخلوقات ، وترجع ..

من الرجوع أو العودة ، وما بين البداية التى بدأها الآخر/ الإنسان ، ومجرد التفكير في الرجوع أو العودة إلى ما كان عليه مسافة ، اختارها الشاعر في ( لو هتفكر ترجع ) ، لنقطة البداية .

أو ما كان عليه من قبل ، وتفتح أيضاً باب التفكير ، والتساؤل ، فمن هو المشار إليه بالمسير ، وما الذي جعل الشاعر يدق باب التنبيه أو جرس التحذير له ..!! وأرى أن الشاعر موجود بقيمة قصيدته ، .

أو بقيمة أشعاره ، كما أن الناقد موجود بقيمة ما يبدعه من إضاءات أو بحوث أو دراسات نقدية ، تواكب منجز الشاعر ، ويفتح له السبل للسير فيها ، وللمتلقى الضوء الذي يهديه إلى جماليات ذلك العالم ، .

ووسيلة الشاعر والناقد هو الكلام ، والكلام هو صبغة كاتبه أو حجة كاتبه ..!! وكأن الشاعر مر بهذه التجارب فكتب ذاته ، وأراد نقل تجاربه للغير ، وهذا هو الأرجح الذي نراه ، وهنا نطرح السؤال :

هل الشاعر كتب هذه الحالات أو النصوص أو القصائد عن قصدية ، أم أن الخيال جذبه ، فمارس التخيل ، خارج أطر الوعي ، واجتاز حد البصر ، وارتاح في البصيرة ، .

فطرق أبواب الافتراض كما أن القطار الذي اختاره ، أو تخيله هو لحظة الوهم فقط ، والوهم لا منطق له إلا الزيف ، وهو غير الحلم الذي قد يتحقق من جراء السعي بمداد الأمل والعمل على أرض الواقع . .

والافتراض لا وجود له على أرض الواقع ، وفي هذا النص الذي يتخيل فيه الشاعر أنه يتحدث مع الآخر / المخَاطَب ، هذا الآخر الساكن كل أماكن قصائده ، والموجه إليه الكلام ، .

والذي حمَّله الشاعر حقيبة السفر ، ولف العالم ، يبحث عن حلمه ، فلم يجده ، ورجع بيأسه ، يسكن بيت الشعر الموجود في كراسته ، وتخيل أيضاً إن بيوت الدنيا ، بإمكانها أن تسكن معه ، .

في نفس البيت ــ بيت الشعر ــ الذي خرج من روحه ، مما جعله يطرح اختيارين .. هل يمكن قبول مشاركتك أي أحد في حضن قلمك وفي روحك، وفي بيت الشعر ، أم تفضل أن تكمِّل في الوهم ، .

مثل القطارالذي عدي عليك وشفته ، وفات ولم تركبه .. والحكمة هنا .. كيف استخلص الشاعر من الافتراض مساحة للتفكير ..!! فهو يقول : لو … !! .

واخد شنطك ومشيت

لفيت العالم كله بتدوَّر على حلمك

ورجعت بيأسك تسكن بيت الشعر اللي في كراستك

وعرفت بإن كل بيوت الدنيا ممكن تسكن ويَّاك

وف نفس البيت هتعود من تاني /

تحضن قلمك ولّا تفكر ترجع

ولّا تكمِّل جوه الوهم اللي بيصْدق قدامك

زي القطر اللي معدي وشُفته لكن .. عدى وفات ..!!

ويسرح الشاعر في درب الافتراض الأصل والاختيار الاستثنائي ، ولكن يرى أن حضن الحبيبة ، هو العكاز والسند وقت الحاجة ، وما بين الوهم الجاثم على صدر القصائد والحلم مساحة للبوح ..!! فيقول :

لو … !! قاعد على القهوه مستني الشوق اللي في حضن حبيبتك وصحابك تماثيل حواليك قواشيط الطاوله بتخبط في دماغك والزهر كمان بيعاند حلمك لساه حظك ما بيمشيش وكإن اتمسحت الشيش والبيش خلاك تشعر بالغثيان لولا إنك فجأه سندت على حضن حبيبتك اللي يدوبك بتشوفها ساعات

من بين أوراق الشيش بتعود وتكمِّل يا ما حاولت تسيبها وتنسى لكن برضه بتكمِّل جوّه الوهم اللي بيصْدق قدامك زي القطر اللي معدي وشفته لكن . . . عدى وفات ـــ

وما بين الافتراض والوهم مساحة للفكر والوجدان ، وأخرى للحكمة والفلسفة .. أخذتني هذه القصيدة التي تماهى فيها الشاعر مع التناص .. في حوار سيدنا سليمان مع الملأ المحيط به ،

والرجل الصالح الذي أتى بعرش ملكة سبأ في طرفة عين ، فلو أن هذا الآخر الذي يخاطبه الشاعر في سرعة الصالح الذي علمه الله العلم اللدني فهل يرضى لنفسه أن يأكل من تحت ترابيذة ،

والجواب أشار إلى الحكمة واكتمال الصبر ودوامه حتى انقضاء الأمور أفضل من النقصان الذي يميل إلى العمى ، أما اكتمال الصبر يشبه اكتمال وجه القمر.. قصيدة رقم 12 ص 39 .. !!

وما بين الخيارات المطروحة خيارات صعبة ، ولأنها افتراضية فيمكن الحكم عليها أو تركها .. وتجد الحزن والدموع والوجع وفقدان الأمل ، وذبول الضوء ،

واليأس الذي أُحْبك على مقاس الآخر الافتراضي ، ونار الحرقة ، التي قد تجعله يتقلب على الجنبين وتقلق راحته .. وهو الطيب المسالم المهدور حقه ، ومساحة أخرى ضرورية للتفكير في نوبة صحيان للعقل ليحدد من بين الاختيارات الأصوب ، بــ هل ممكن تكمّل في هذا الطريق أم تعود إلى ذلك الافتراض/ الوهم ،.

المتكأ الذي يتكئ عليه في كل القصائد . والسؤال : هل يعود الزمن إلى الوراء ، وتقوم الذكريات تنفض عن كاهلها غبار السنين .. وهل الإنسان يستطيع أن يمسك أو يوقف عقارب الساعة على زمن بعينه ، فيعود بالذكريات ، ويعيش فيها ، أو يستطيع أن يقلل من سرعة الزمن ويتحكم فيه ، ليعيش أيامه على مزاجه .. وهذا الافتراض، يؤكد أن ( لو ) التي تعادل ( إفرض مثلا ) .. لا ترد الماضي مستقبلا ..!!

ولم يخلو الديوان من محطات الحياة الإنسانية ومن الصراع الافتراضي بين الخير والشر ، والنفس البشرية ، وما يدور في الصدور من متناقضات ، قد تذهب بالإنسان إلى مرافئ النجاة أو الضياع ، ويترك الشاعر مساحة للإختيار بين ما هو صالح ، وبين ما هو فاسد من خلال أسلوب حكمي أو فلسفي يبان في إبداء الرأي .

وكذا تكثر محطات السخرية ، والدموع ، والألم والوجع ، والحب ، والشروق ، والأفول ، والحلم ،والبهجة والفرح واليأس والأمل والحياة والموت في ديوان .. ( لو هتفكر ترجع ) . وهذه التجربة التي خاضها الشاعر محمود رمضان تجمع في كتابتها بين الشعر ،

فهي لا تخلو من الصور الفنية والتخيل ،وبين المنثور الشعري ، والذي يحمل من الحكم والفلسفة الكثير ، والديوان هو إضافة جديدة لشعر العامية المصرية متحررة من النظم والقوالب الجامدة .. مع تمنياتي القلبية للشاعر محمود رمضان بمزيد من التجارب الجديدة ، لتضاف إلى رصيد شعر العامية المصرية .

قد يهمك أيضا

الذات في الولوج والخروج إلى ومن فضائها ..!! للشاعر/ احمد اسماعيل