رواية ( درب الاعمى )
رواية ( درب الاعمى )

رواية ( درب الاعمى ) للكاتب الروائي محمد عبد الحكم حسن

رواية ( درب الاعمى ) للكاتب الروائي محمد عبد الحكم حسن صدرت عن هيئة قصور الثقافة سلسلة أصوات أدبية، وهى الرواية الخامسة للروائى محمد عبد الحكم حسن الذى سبق أن فاز بجائزة اخبار الادب ، وجائزة وافضل رواية ، ومركز اول إحسان عبد القدوس وجائزة اتحاد كتاب مصر ، والعديد من الجوائز ، وتناول أعماله الكثير من النقاد والمبدعين ، وترجم له إلى الإنجليزية

 

من روايتى الجديدة ( درب الأعمى ) الصادرة عن هيئة قصور الثقافة سلسلة أصوات أدبية

في البداية كنت أتأمل ذلك الحجر الذي أُهمل في الدرب حتى كساه التراب، أحياناً كنت أخلو بنفسي وأزحزحه، منذ كنت صغيراً أجلس عليه، أعد ثقوبه وأطوف بإصبعي في حفائره وخرائطه ورسوم الأوز والأجساد المنحنية عليه، وأرى تلك الخطوط المتشابكة وأثر الطحالب، أحاول زحزحته، في مرة غافلتهم، وخرجت في هدأة الليل، كان الدرب خالياً إلا من الأعمى الذي نام قابضاً على عصاه، ملتُ على الحجر ورفعته قليلاً، لماذا طاوعني، ولماذا ظل ملتصقاً في حضني برائحته العتيقة، كان يحملني ويدور بي في فضاء الدرب، بين دفوف وهدير وأصوات قادمة من عمق المجهول، أكان حلماً، حين انفرجت الأرض عن أخدود عميق وناس نيام وبريق ذهب ورائحة بخور وحنطة، وعيون تمرق فجأة كطائر، تلفحني بوهج الغضب، وأخرى تدعوني للنزول، أتلفت، أود لو أن أحداً من الأصدقاء معي، الحجر الملتصق في حضني يوشك أن يدفعني إلى هناك، فأحاول منعه صارخاً، وألقيه فيستقر مكانه، تقول أمي الدرب مسكون، ويقول أخي المجنون: “هم نادوا عليك أوع تنزل”، ويطلق ضحكاته في الفضاء الرحب، قالت أمي حجر ملعون، من سقط عليه لا يقوم سليماً، حاول الرجال إبعاده ولكنه لا يتزحزح، قالوا علق بشباك الجد الكبير فحمله خُفّاً وجاء به إلى هنا، وضحك عليه القوم وقالوا “أبو حجر”، بل قالوا الحجر كان هنا أصلا مردوماً تحت طمي النيل، جاء من أجله على اثر توصية من رجل مغربي قابله في جامع السلطان أبو العلا، وعندما مات أحد أبنائه غرقاً قالوا حجر النحس، كلما دحرجوه عاد مستقراً في مكانه، جربه النسوة مراراً وخاطوه، بعدما خاطته حمارة كانت هاربة يعدو خلفها جحش الشميسي، حاصرها في الزاوية، ضحك الأعمى عندما علا الهدير وقال: “مفروجة بإذن الله”، ولدت بعد سنين من الانقطاع، ذاع صيتها والحجر، حتى عم أرجاء القرى، ولملم الأعمى قدمه وفتح يده للداخلين، سموه حجر الصيادين، وسماه الشوّاف حجر السعد، ونصب محكمته فوقه، ولكنه عندما سقط ابنه عليه جُنّ وظل يهذي حتى مات، فابتعد الجميع عنه إلا أنا .
إرفع إرفع، صوت الواقفين يلهب الصمت، وحامد الشوّاف يتقدم مُحاطاً بالتصفيق والتشجيع، يميل ويزحزح ويحاول ويرفع، مرات والحجر لا يطاوعه، حتى سقط منهكاً، لم يكن هناك أي تعقيب أو ضحك، وأنا أنظر إلى أبي الذي غامت ملامحه فلم توحي بشئ، هل فرح بهذه النتيجة، أم انه ينتظر شيئاً آخر، وأنا أقترب من الحجر الذي أحس بإنه اندفع إلى حضني، خفيفاً أقلبه بين يدي وأدور به مرفوعاً فوق ذراعي، تعلو زغاريد أمي، ويرفع أبي قامته، وأنا أتقدم رافعاً يدي حد الغمام، ضارباً وجه حامد الشوّاف لتعلو صرخته مخترقة فضاء الدرب، الشوّاّف لم يحزن على ابنه، بل ترك الجميع وظل محدقاً في حجر تكسوه خرائط مبهمة.