حابر الزهيري يكتب : انتظار تحقق نبوءات مسافرة قراءة نقدية

حابر الزهيري يكتب : انتظار تحقق نبوءات مسافرة قراءة نقدية
الانتظار هو من أهم الظواهر الإبداعية التي يتطرق لها الأديب في كتاباته دوما، فهو لا شعوريا في حالة من الترقب الذي يمنحه الأمل في قدوم ما يتمناه بالخيال، متجسدا على أرض الواقع، فيرسم تلك الأمنيات كأحلام، يحولها بيقينه المبدع إلى نبوءات ستتحقق في يوم ما.
لا يتوفر وصف للصورة.
ولكنه حال تحديد الإطار العام لنبوءاته، يشكل من واقعه الممتزج بما مر به من ذكريات الماضي، وما بها من أخطاء ومعاناة، طريقا لتلك الأماني التي بها يتحقق له، بل وللكون ذلك التوازن المنشود، فما الواقع إلا أحلام الماضي المتحققة، وأحلام الحاضر هي إرهاصات المستقبل.
وفي هذه المجموعة (نبوءات الخيال المسافر)، نجد أن الأديب علي محيي يتعامل مع ما يكتبه من قصص قصيرة بلغة الشعر بل نجد أن الجمل القصيرة في السرد تسيطر على قلمه وكأنها سطور شعرية، تنبع من قلب تملكته المعاناة في زمن طواه الحنين لتحقيق حلم طالما راوده، فيبث من مشاعره التي تستقرئ المستقبل، ليقول أن الأحلام وإن كان تحققها بعيدا في زمن الحاضر، فببعض الانتظار ستكون واقعا جديدا، يدواي ما أصاب القلوب بالانكسار.
نجد الكاتب دوما يصور مظاهر المعاناة النفسية أكثر من المعاناة الحسية، فعلى مدار قصص المجموعة نجده يتحدث عن الفقد، وما أحدثه من مآس جعلت الدمع ينهمر من القلب والعين، وكذلك دعوته المتجددة، لإعادة ترتيب الأفكار التي وان كانت تبدو مناسبة في وقتها، إلا أنها أصبحت لا تتناسب مع ما يريد في القادم، فهو يحدد الطريق السليم للوصول إلى تحقيق ما تنبأ به من توازن نفسي، يعيد كل مفقود سواء حسيا أو معنويا.
بقلب يفيض بالمشاعر الإنسانية والتراكيب البلاغية في كل مفردات القصص نجد الكاتب يمنح من شعوره صفات للمكونات البيئية المتلازمة معه لتشاركه أفراحه وأتراحه سواء بسواء، فيمزج من الطبيعة ظواهرها التي تأتي وكأنها في حالة العداء للشخوص ثائرة متقلبة بعكس ما يريدون، وسرعان ما يجعلها تشفق عليهم، فتتبدل ثورتها لحنين مفعم بالحب والحياة.
وإن كان على نفس منهجه الذي ارتبطت به كتاباته التي قدمها في مجموعات سابقة، نجده نفس ذلك العاشق الذي يحمل في طيات وجدانه تلك النزعة الإيمانية في بعض القصص، عندما يتحدث عن القبر ونهاية الحياة مقدما نبوءة روحانية أن الوقت ما زال به متسع للعودة للطريق الصواب، كما في قصة ورقة و حديث النفس.
فنراه يقول:
شعر بالوحشة كعادته وكأنها لحظات مريرة تسير متعثرة في حياته تدعوه للتجلد بالصبر على المكروه، وبعد معاناة عصيبة، انتبه من غيبوبته، فوجد جثته بين أحضان الكهف، تشاكسها رمال قاحلة، يضنيها الركض فوق مساحات مختلفة من الذكريات المؤلمة، ثم نهض مهرولا للهروب، مترقبا لبداية الطريق من أين تكون، على أمل الرجوع لحياته.
وكذلك نجد الكاتب يداعب بأسلوب يحمل من النقد الساخر بعض الصور الإبداعية التي يرصدها بعين المراقب من خلال بيئته الريفية في بعض القصص التي تحمل روح الريف من زراعات ودواب وماشية من خلال عرض صورة الواقع بما يحمل من معاناة يبين تأثير تلك المؤثرات البيئية علي نفسه المبدعة ومدى تجلى ذلك على محيط الأشياء أيضا فها هو في موضع من قصة فراق نجده يقول:
خرج كعادته في الصباح الباكر راكبا دابته، بيده الفأس والعصا، يشاركه ضوء الشروق الممتشق طياته المسافرة حول القرية والحقول، ليواصل حياته التقليدية بعمله اليومي كأجير.
سلك الطريق الترابي، تداعبه منحنيات الدروب المزخرفة بحسن الطبيعية وطيفها الخلاب، لتروح عن النفس وتتغذى منها العيون، وزوجته تسير خلفه مسرعة مرتدية ثوبها المزركش وحذاءها السميك الذي يقيها من حرارة الصيف وسخونته المحرقة.
يتلازم الحلم والسفر في ظاهرة الاغتراب النفسي للكاتب في حالة من حالات التمني لتحقق الرؤى التي وإن كانت أمنية وفقط لكنها لا تخرج عن إطار الأمنية الحزينة التي يقيدها الخوف وهذا ما يتميز به أسلوب علي محيي في مجمل كتاباته فنجده في قصص كثيرة تحمل عنوانات الغائب والمفقود لصفات كثيرة وكذلك في متن النصوص يقول:
وبعد فوات الأوان تذكرا ابنهما المفقود، وقررا البحث عنه حتى تلاقوا على طريق سواء، فكانت معاتبة الابن لهما بكلمته الأخيرة: هل وجدتما ما كان يربط بينكما؟
وعلى مدار ما احتوته المجموعة نجد علي محيي يؤكد على فلسفته الإبداعية ببصمته المميزة التي اتخذها منهجا سار عليه في كل ما قدم ويقدم خلال مسيرته الأدبية فهو المحب العاشق الصوفي الإنسان
تحية تقدير لأديب يكتب نفسه ليجعل القارئ يبحث بداخله عن تلك النبوءات المسافرة في خيال كل منهما
قد يهمك أيضا