الصهيلُ الذي سكن الملاءةَ شاهدٌ علي أنني كنتُ هناك / نص لــ :شعيب خلف

بالأمسِ، طولَ الليلِ، كنتِ معي، وهذا الصهيلُ الذي سكنَ الملاءاتِ شاهدٌ علي خَرْطِ القَتَادِ، كان يعرجُ للسقفِ ويعودُ ثانيةً فوق سطحِ الروحِ، يصلصلُ في متنِ الحوائطِ، يقفُ علي بابِ المشتهي، والفارسُ يركبُ صَهْوَةَ التنهيد، يُمسكُ لجامَ النملِ في أطرافِ نصٍ ناضجٍ تحتَ موقدِ الرغباتِ، تبعثرتْ لغتُه فوقَ ظهرِ غيمةٍ مسكونةٍ بالجنون ِالحزينِ، رأيتُني أهربُ من صوتٍ لصمتٍ، ومن صمتٍ لكشفٍ، ومن كشفٍ لسترٍ، ومن سترٍ لبوحٍ، ومن لونٍ للونٍ، يتقشرُ الأبيضُ من تحتِه أبيضُ، والأحمرُ فوقَه أحمرُ، ينبعُ من تحتِه لبنٌ دافقٌ وشرابٌ، وصمغُ الشهوةِ البكرِ مختبئٌ في حجرةِ الكشفِ المضيئةِ من سَنَا الإشراقِ، والروحُ تصرخُ : صَمْدًَا… صَمْدًَا حتى ينجليَ صوتُ السواقي الذي لفَ المدائنَ كلَها في المنورِ المسكونِ بخمرٍ رائقٍ وضبابٍ، ألقي شَصَّ الصَهد في بئرِ الغيابِ، لأصطليَ بصوتِ حمحمةٍ لخيلٍ عُطَاشٍ، أجمعُ جوعَ العظامِ في الصَّلايَةِ وأدقُ الطيبَ الذي تبخَّرَ من صهدِ العرقِ، ألفُ جنوني صِمَادًا فوقَ رأسي، وأجمعُ الظلالَ المبعثرةَ تحتَ ظلِ المقصلةِ، ومن بئرٍ لبئرٍ أقيمُ عرشًا ومملكةً وأقفُ شاهرًا سيفي منتظرًا لحظاتِ النزالِ، لتسقطَ الرأسُ في البئرِ، وتتفلتَ اللحظةُ من الزمنِ المنسيِ في ظلمةِ الرؤوسِ الثقالِ، وتنطلقُ ناقةُ الفتوحِ، لأخرجَ من مدخلٍ لمخرجٍ، ومن مخرجٍ لمدخلٍ، لأمرقَ من عقدةِ النسيانِ لأعيَ ما أقومُ بفعلِه بينَ الصمتِ البريءِ واشتعالِ النارِ في السكوتِ العُضَالِ، أرفعُ ساقيَ النورِ وأخبأ تحتَها كشافَ الظنونِ، أسحبُ بأنبوبٍ دقيقٍ العسلَ الذي تحتَ الشمعِ في خَبْءِ الخلايا، فأَخبُتُ خاشعًا في المحرابِ، لأقهرَ الصمتَ بالضجيجِ، وأُسْكِتَ الضجيجَ بالصمتِ فينسرحُ البسيطُ، ويفيضُ الوافرُ من ريقٍ يتشهاهُ المسكينُ ليطفئَ جمرَ العصيانِ، فأنسلهُ من مجزوءِ الكاملِ، يَسْبحُ في نهرٍ مهجورٍ منذُ سنين، ينمو فوقَ الموج مروجُ الفضةِ والهذيان، أخبصُ من تمرِ الرغبةِ، ومن سمنِ الريقِ الفائرِ مخبوصًا مسكونًا، يتخبطني الشيطانُ بمسه، أقومُ لأمسكَ بضفافِ الأعشابِ البريةِ، تلامسُ لحمَ الحي، فيعودُ الميتُ حيًا تحتَ شُدَفٍ من شادوفٍ منصوبٍ فوقَ جوابي النورِ الممهورِ بتوقيعِ العفريتِ الضاربِ للزَّندِ بحجرِه، فتخرجُ كلُ النارِ من رحمِ البركانِ، فَتَخِتُ الجسدَ المسكينَ ختيتًا يتناثرُ في أوديةِ الشوقِ، تشتعلُ ضجةُ العميانِ الخرساءَ، في ظلمات الروحِ الخضراءَ، فتديرُ الناعورةُ القادوسَ لتسقيَ من لبنِ النوقِ ونقيعِ التمرِ عطشَ العمرِ .

اترك تعليقاً