حوار مع الأديبة/ دعاء أحمد شكري.. الأديبة والطفلة الصوفية في حضرة الإبداع.. حاورتها همت مصطفى

الطفلة الصوفية في حضرة الإبداع
حاورتها/ همت مصطفى

ضيفة حواري اليوم ، شخصية بها الكثير من المتناقضات ، تارة تجدها الكاتبة المتمردة ، و تارة طفلةّ نشيطةّ شقية ، و تارة حادةّ تأخذ موقفّا و تثور من كلمة .
فهيا بنا نبحر في أعماق الأديبة و الإنسانة “دعاء أحمد شكري” ، لنخرج اللؤلؤ من الأصداف المغلقة .

★ ما سر حبِك الشديد ، و تعلقك بشمس الدين التبريزي ؟ ، و منذ متى بدأ هذا الوله به ، و كيف ؟

– أولاّ .. أهلاّ بك و بحوارك الماتع ،
(طب ما تخلي الاصداف مغلقة هههههههههه)
ثانيّا .. سر حبي الشديد بشمس ، هو أبي الشيخ الصوفي أحمد شكري ، و المناخ الصوفي الذي نشأت فيه منذ أدركت طفولتي ، بل تغلغل فى روحي .
بدأ ولعي بشمس منذ قرأت رواية “قواعد العشق الأربعون” ، رغم أن (أليف شفق) أفسدتها بالإيروتيكية التى أفسدت العطر الصوفي بالرواية ، ما علينا .. لن أخرج عن موضوعك ، شمس رمز لذكريات صوفية بداخلي ، و ربما ذكرني بأبي .
سبب آخر لولعي بشمس، اليوتوبيا الروحية التى توجد في روحه ، و عشقه للروح ، و العشق الروحي منيتي و حلمي .
.
★ دعاء أحمد شخصية مزاجية جدّا ، فتارة إنسانة مكتئبة حزينة ، و تارة طفلة مليئة بالحيوية و الشقاوة و النشاط ، ترى ما السر وراء هذه المزاجية ؟ و أيهما أقرب لشخصيتك الحقيقية؟

– أظن أننا جميعنا متغيرون ، ما بين السعادة و الحزن ، و…إلخ .
المزاجية كلمة دارجة نقولها ، و لكن لا يوجد مزاج متقلب بلا سبب ، فمعظم متغيري المزاج هم مرهفو الحس ، و طاقتهم إيجابية ، الملل و الحزن و الغدر و الروتين ، … و ما شابه ، هي أشياءٌ قاتلة لي و لأمثالي ، فنحن كأوراق الشجر و الزهور ، نتأثر بربيع الأخلاق ، و ننزعج بخريفها ، و هذه السمات التى ذكرتها ، هى العامل الطبيعى والأساسي للتحكم فى مزاجيتنا.
أكتئب جدّا بسبب الروتين ، أعشق التجديد و التجدد ، و أبتكره إن لم أجده . و أكون طفلةّ شقيةّ مع من ترتاح نفسي إليهم .
الصوفية هى الأقرب لي ، لأنها تجمع تناقضاتي، مدللة بفطرتي.

★ من وراء شغفك بالقراءة ؟ ، هل من داخلك أم بفعل فاعل شجعك على ذلك حتى أدمنتِ القراءة و الاطلاع ؟

– إن لم تكن رغبة داخلية لن نقرأ ، و لكن هناك عدة عوامل مشجعة لذلك : –
أولا الكتاب الذي يجبرني على التعمق و الغرق فيه حتى أنتهي منه.
ثانيّا ممارسة الأدب، فهو الدافع و المشجع ، لأنه لا كتابة بلا قراءة، فالقراءة قوتٌ و وقود للكاتب.
الصحفي إسحاق روحي راهب محراب الفكر و آخرون ، أهدوني كتبّا ، فصرت ألتهم الكتب ، و بالذات ذلك الكتاب الثري المتفرد المشوق ، و كنت أنتهي منه فى أسبوع ، ثم تقلصت المدة إلى يومين ، ثم إلى يوم ، حتى أدمنتها .

★ على ماذا تتمرد الكاتبة الشقية دعاء أحمد ؟

– الروتين ، و كل من لا يعرف قول (لا) ، و لكن (لا) بطعم الفلامينكو ، (لا) على التقاليد المميتة الظالمة التى تخلو من رحمة الرحمن الرحيم ، إنها سُم قاتل .

★ مع تطور الشخصية ، تتطور الكتابة أيضّا ، و في بعض الأحيان ينحدر البعض للكتابة في موضوعات شائكة و غير مقبولة عند البعض ، ربما تصل لخدش الحياء ، تحت مسمى الجرأة و حرية التعبير و الإبداع فما رأيك في هذا ؟ ، و هل حاولتِ التطرق من قبل لتلك المنطقة الشائكة ؟

– أكره كلمة (جريء) ، فالكاتب مثل الطبيب ، لابد من كشف المرض و تطهير الجرح ، الحنكة فقط فى الطرح ، بأن يتزيا بأسلوب أدبي ، و مفردات راقية منتقاة ، تليق بعظمة الأدب و كنية أديب ، و تكون موظفة توظيفّا دقيقّا ، و هادفة .

★ الكاتبة دعاء أحمد شكري ، أين أنت الآن من المشهد السردي ؟ ، و ماذا قدمتِ له ؟

– قدمت ثلاثة كتب ، و بشهادة شهود أهل الأدب ، قصصي كاشفة للمسكوت عنه ، و سردي يتزيا بلغة أدبية ، و كما نص تقرير فني من الهيئة العامة لقصور الثقافة حين فازت مجموعتي القصصية “ندى العشاق” ، قيل فيما ملخصه ((الكاتبة تمتلك درجة عالية من النضج الفني و الوعي بأدوات القص ، تنشغل بمعالجة كثير من القضايا ، و قد نجحت فى رسم الشخصيات فى القصص و إعادة رسمها و تسليط ضوء جديد عليها..”)) .
و مجموعتي القصصية (فأوحى لها) أعجبت كثير من النقاد و القراء ، و قيل أن قصصها ال٥٥ ، متعددة القضايا ، متجددة الأفكار ، و قد داعبني أحد الكتاب العظام من أصحاب القدر و العلم و الوعي قائلا : – “دعاء خلصت الأفكار كلها فى ٥٥قصة ، وتقول منذ فترة لم أكتب بعد (فأوحى لها) ، أمسك الخشب يا دعاء.
و قد إنتهيت من كتابة كتابي الرابع ، و لكنه لم ينشر بعد ، و كتابي الخامس تحت الإنشاء .

★ قُصي علينا الآن في بضعة أسطر ، قصةّ قصيرة بعنوان ( دعاء كما لم يعرفها أحد ) .

– عثرت الطفلة الحديدية على عدة أصداف ، لم يجذبها منهن إلا صدفة مغلقة يصدر من أعماقها صوت أنين و شجن ، و أحيانّا قيثارة عشق تشرح القلب ، تعبتْ كثيرّا حتى تمكنت من فتحها، لم ترتجف و لم تتردد ،لأنها الطفلة الحديدية، و حين فتحتها لمعت عيناها.. فقد رأت و سمعت دعاءّ صوفيّا بصوت عذب ،.. عرفت من هذا الدعاء سر العشق الذي لم يعرفه أحد.

★ ما رأيك في المسابقات الأدبية العربية ، و التي ترصد لها جوائز مالية ضخمة؟

– الله أعلم ، فهناك من يشكك ، و هناك من يمدح.

★ ما هو القرار الذي ندمتِ على اتخاذه ؟ ، و ما هو القرار الذي حالفك فيه الصواب وكان له في حياتك أثر ؟

– القرار الذي ندمت على اتخاذه احتفظ به لنفسي، من غير تفسير. و رجاء تقدير ذلك ، غير ذلك لم أندم على شئ .
أما القرار الصائب، فهو البعد عن أشباه البشر ، أبتعد بصمت بمنتهى الاحترام ، فهم كالأموات بالنسبة لي، و الضرب فى الميت حرام .

★ ( علي ) من يكون صاحب هذا الأسم الذي تتخذينه بطلاً لأغلب قصصك ، و هل هو صاحب القصة الراسخة في أعماق الروح و الذاكرة ؟

– “علي” رمز و ليس اسم ، علي من السمو و الرقي ، و عشق الروح ، على معنى و ليس اسم ، علي هو شمس التبريزي ، هو الملاك ، هو الروح ، هو الوطن ،
شخصان فقط وجدت فيهما معنى اسم العلو و السمو ، هما و بلا اى مجاملة ، الشاعر أحمد زرزور ، و جارتنا التي كنت أناديها ماما نادية من فرط حبها لي وحبي لها ، ليسا بشرا ، بل هما من الملائكة .
“علي” طفل لن أنساه ، “علي” مات بعد موتهم ، موت من علمني و وعاني ، و علمني أن أسامح و أغفر ، لكن لا أنسي و لا أسقط مرة أخرى فى نفس الحفرة .
ربما لا يفهمني أحد ، إلا من يدرك أنه رمز للعلو و السمو و صفاء الروح .
أبكيتيني حقّا يا همت ، فقد تعبت كثيرّا حتى أعترف و أصدق أن “علي” الروح قد مات ، بل لم يطأ الواقع من الأساس .

★ ماذا يحرك البركان الساكن بداخلك و يدفعك للكتابة ؟

– الإحساس و الألم ، فالإبداع ينفجر من رحم الوجع .

★ هل لكِ طقوس خاصة عندما تشرعين في كتابة عمل جديد ؟
– أي نعم ، و لكني أعتبرها خصوصياتي و أسراري الأدبية ، و ربما يعتقد الآخر أنها جنون و خزعبلات ، لذا أكتفي بالقول إنها طقوس تروقني وحدي ، و من العبث إهانة مقدساتي و عرضها .

★ عند كتابة عمل جديد ، من هم الذين تثقين في رؤيتهم و تعرضين عليهم نصك للاستفادة من خبراتهم ؟

– كل من ينقدني نقدّا موضوعيّا بعقل و قلب و فكر و علم عميق ، و الأمين ، لأني أغار جدّا على فلذات أفكاري . واعتز جدا برأي أستاذي إسحاق روحي لأنه يغوص فيما بين السطور، يجذبه الإبداع، وينقد بدقة.

★ ما رأيك في الحركة النقدية الآن ؟، و هل تسير في مسارها الصحيح ؟

– كل نقد منصف ، صريح ، علمي ، خال من التعصب و جهل أبو العريف ، و النقد المفعم بالنقاط التحسينية .
رأي يوجد الشللية ، و يوجد الصادق ، و فى كل مجال الصالح و الطالح . اسواء ما يزعجني فى النقاد من لا يرى الإبداع و يتحول إلى مدرس عربي، يجلد الكاتب بسبب أخطاء لغوية، على القادر لغويا تصحيح الخطاء اللغوي.

★ فوجئت بكِ كمحاورة متميزة. فماذا تخفين في جعبتك أيضّا غير أنك كاتبة و محاورة لبقة ؟
– اصبري عليَّ ، كلما اشتد كربي زاد إصراري فى كسر الروتين ، أخفي كل ما هو مجنون و مبتكر و فريد ، و متمرد. لكني الآن أحتاج فى التركيز على موهبتي الأساسية، التاليف، أشعر أني أهدرت الأديبة.

★ هل تتقبلين النقد بصدر رحب ؟ أم تتجنبين من ينقد نصك نقداً لاذعاً ؟

– النقد نقاط تحسينية ، فأهلا بكل عين ترى ، و بكل صوت يهمس لي بإصلاح عيبي ، و بكل قلب يربت على فلذة أفكاري و ينير طريقها.

★ هل تؤمنين بالحب ؟ ، و ما هو تعريف الحب من وجهه نظرك ؟

– الحب الحقيقي ليس موجودّا بالدنيا ، تعريف الحب هو الأبدية و القدسية ، و الصدق ، و الاحتواء الأبدي ، و عشق الروح .

★ هل تكتبين عند انفعالك بلقطة فتثبتي عليها كاميرا الإبداع ؟ .. أم تكتبين وقتما يحن قلمك للكتابة فتستدعي اللقطة كاملة من الخيال فقط ؟

– الفكرة غالبّا تأتيني عبر أحلامي و أدونها و أنا مازلتُ نائمة.
الفكرة تسيطر بقوة ، مثل عفريت يتلبسني ، الفكرة وحي يغير كيمائي ، يسلبني روحي و يعزلني عن العالم أجمع ، لا أسمع و لا أشعر إلا بها.

★ مع من و أين تجدين نفسك؟

– مع الله .

★ بماذا تحلمين على المستوى الشخصي ، و المستوي الإبداعي و الثقافي ؟

– أحلم ب طاقة ، حيوية ، تفاعل ، صدق ، أمانة ، تقدير المبدع لإبداعه فقط ، الإنسانية ، أتمنى أن يشغلهم ملء العقول و ليس ملء الكراسي الشاغرة.

★ لو أتيحت لكِ الفرصة للعمل في إحدى مؤسسات الدولة الهامة ، ففي أي منصب تختارين ؟ ، و ما أهم قراراتك التي ستتخذينها ؟

– سألت هذا السؤال فى بداية حواراتي ، توارد خواطر بيننا ، كما نتوارد غالبا ، أختار منصب الإنسانية البحتة .

★ لو اتيحت لكِ الفرصة للعمل كوزيرة للثقافة ، فما هي أهم القرارات التي ستتخذينها ؟
▪︎ مسابقات يحكم فيها ربوتات تقرأ بتأني .
▪︎ الإهتمام بالمبدع و ليس بالمحسوبية .
▪︎ تغيير كل ما لا يعجبني ، و لن أذكره ، فهو يحتاج لمجلدات ، و كلنا نعرفه ، لكن الأغلب سينكر و يعقد حاجبيه .

★ ما رأيك في الصالونات الثقافية المنتشرة في ربوع مصر ؟

– البعض مجرد كراسي شاغرة ، و البعض الآخر به عقول واعية .

★ هل ترين أن شباب الكُتًَاب في مصر يتلقون الرعاية الكافية لتنمية مواهبهم ، و دعم النابغين منهم لإثراء المشهد الثقافي الحالي ، و في المستقبل ؟

– لا. وسيأخذون حقهم إذا انتهت الشلالية

★ إلي أين تأخذك الموسيقى ؟
الموسيقى ملاذي ، جنة ، شازلونج ، طوق نجاة ، بساط يطوف بي لأبعد مما يتصوره الخيال ، تعجز الحروف عن وصفه ، جهاز كشف الروح خلص والحمد لله.