نعيم الاسيوطي يكتب: ام محمد
نعيم الاسيوطي يكتب: ام محمد

نعيم الاسيوطي يكتب: من حكايات الزمن الجميل ( ١٢ ) أمي

عدت الأيام.. وقبل دخولي الجيش بكام شهر.. فوسنا زرعت الدره القيضي وعملنا المصطاح في زرعتنا الشرقية بحوض الطين الجديد.. وبعد ما ارتحنا بكام يوم أخدني أبويا وأخويا جمعه وروحنا الغيط نجهز باقي الزرعة اللي تحت بيوت بيت طليبه.. وبيت طليبه ناس كتير كانوا بيخافوا منهم..

ويقولوا عليهم الشر في دمهم مش عارف ليه.. بس مع أبويا وأحنا عموما كانوا بصراحه بيحبونا ويقولوا علينا ناس طيبه.. وباقي زرعتنا كمان تحت بيوت بيت يحيي اللي معظمهم بيسافروا الكويت إلا واحد منهم طيب واسمه الأخرص.. بيزرع معانا شتاء وصيف.. ويأخذ ربع المحصول..

يساعدنا في ارضنا وأحنا معاه.. نشفت قناديل الدره القيضي.. أخدني أبويا وأخويا جمعه ورحنا المصطاح اللي في زرعتنا.. وكل واحد معاه شومه أو زقله.. قعدنا يومين تلاته ندق قناديل الدرة القيضي بالشوم لحد ما الغلة صفيت من القناديل.. جبنا واحد يدري ويغربل الغله..

وشحتنا كام تليس من بيت يحيي وكمان حمارة عمي علي يحيي على حمارتنا.. وحمارة عمي علي يحيي مهكه وبتمشي بالعافية تحس إن عندها ألف سنه غير حمارتنا اللي بتمشي تلاتات تلاتات .. وعبينا الدره في التلاليس وركبت أنا حمارتنا الشقيه وأخويا ركب حمارة بيت يحيي.. وفي طريقنا بنعدي على نخل وجناين قوافه كتير ومانجه في جنينة بيت المأذون وناس تانيه..

حودنا نسقي الحمير من حوض مية السبيل.. ونشرب أنا وأخويا.. يااااه ياما سمعت حكايات عن السبيل ده إن جواه عفاريت والميه بالليل تشوفها نار.. وكمان النخل الكتير قوي يهز اتخن شنب وجسمه يتنفض من الخوف .. وشربت أنا وأخويا واطمنا إن الحمير شبعت..

وكملنا مشي يجي كام خطوه.. واللي كنت خايف منه حصل.. المجراية اللي بتسقي جنينة المانجا والموز بتاعت بيت المأذون مليانه ميه.. والمصيبه إن المجرايه دي واسعه وغويطه بالميه.. يعني اي حماره تعدي فيها المية توصل لنص بطنها.. ونزلت أنا وأخويا وحاولنا نعدي حماره حماره..

وهدومنا غرقت ميه وعدينا حمارتنا بقطيع المصارين.. ورجعنا نعدي حمارة بيت يحيي ويدوب نزلت الميه بركت برجليها الأربعة في المجرايه.. والتليس وقعت مننا في الميه وقعدت أنا واخويا أكتر من ساعه نحاول نرفع التليس من الميه..

وفي كل مره نقع انا وهو جنب التليس.. وفين وفين عدي حد من أهل البحاروه..  وساعدنا وطلعنا تليس الغله.. ورفعناها مع بعض على الحماره.. ومفيش كام خطوه.. وقلت ربنا يستر ونطلع المطلع المشندل ده اللي يطلعنا على الجسر العمومي..

طلعت أنا بحمارتي المطلع وبصيت لورايا لقيت حمارة بيت يحيي وقعت على الأرض.. والتليس وقعت فوق صدر أخويا.. نزلت جري من خوفي على أخويا.. ورفعت التليس ووقفت الحماره.. وهدوم أخويا بقت طين..

واستنينا تاني حد يساعدنا ونرفع التليس فوق الحماره.. واخدنا الطريق كله نفكر نقول إيه لأمي وابويا اللي مفروض يكون رجعنا ليه تاني علشان ناخد باقي تلاليس الغله.. اليوم ده كانت كل مجاري بوابير الميه مليانه ميه وبتسقي الغيطان.. حظنا في اليوم ده كان اسود.. وصلنا البيت ورمينا التلاليس في المجاز.. وخوفنا لحسن أمي تشوفنا ويبقى يوم مهبب بطين.. ركبنا الحمير واخدناها جري على الغيط.. وأول ما أبويا شافنا ضحك في وشنا وقال:

– انا عرفت باللي حصل معاكم.. تعالوا نحمل باقي الغله وبلاش تعدوا تاني من النخل واطلعوا الكوبري.. بس بلاش تتأخروا تاني.

والحمد لله عدينا وروحنا البيت ورجعنا الغيط مره واتنين وتلاته وخلصنا مدخول محصول الدره ورجعت أنا لوحدي بالليل أودي حمارة بيت يحيي وسواد الليل دخل والعشاء ادنت من بدري ولازم اعدى من النخل.. يا لهوي وبقيت أمشي شويه وأحس إن حد ماشي ورايا..

وصوت الضفادع والكلاب بالليل يرعب اتخن شنب وأنا اللي معايا يدوب حتة جريدة نخل.. ووقعت كام مره من الخوف لحد ما طلعت من النخل.. وصلت الجسر العمومي وشفت جزمه بتجري لوحدها قدامي.. وأنا سناني بدأت تتكتك من الخوف.. ورجعت البيت وأول ما دخلت شافتني أمي وجات عليا جري وبدأت تشتم فيا باللي حصل معي أنا وأخويا وكأني السبب في كل حاجه..

شويه وجابت العدس أبو جبه والبتاو الطري.. وقعدنا نتعشي أنا وأخويا وابويا الطيب.. وبعد ما أكلنا شربنا شاي وكل واحد فكر ينام أزاي فوق حصيرة الحلف المفروشة في مجاز بيتنا..  ومن الخوف والتعب نمت.. وأول ما طلع نور الصبح وسمعت صوت الديك.. امي جابت لكل واحد فينا قعب لبن نشربه على الريق..

بس أخويا جمعه وهو بيتعدل صدم برجله قعب اللبن بتاعي وكبه على الأرض.. ضربته بالقلم على خده وقعد يبكي بصوت عالي.. وأمي سابت القربه اللي بتخض فيها اللبن وجات تشوف اللي حصل.. شفت وشها محمر.. رجليا اترعشت.. رحت أجري منها بس يدها كانت أسرع مني.. وضربتني بالبرام المكسور اللي فتح دماغي..

شافت الدم على وشي وقعدت تبكي.. ونادت على كوثر بت الحاج محمد وطلبت منها شوية بن تحطهم فوق الجرح.. واليوم ده كنت أول مره أشوف حنية أمي بجد وهي بتبكي عليا.. بصيت ليها قوي.. ومن جوايا أقول أمي القوية بتبكي.. وبعد ما ماتت أمي بسنين كتيره اتمنيت أمي ترجع تاني وتضربني بدل المره ألف مره..

( أمى ثم أمي ثم أمي ).