نسرين محمد تكتب عن / بحجم حبة عنب للكاتبة منى الشيمي

الكاتبه منى الشيمى

كاتبة مصرية ولدت عام 1968، حصلت على ليسانس آثار من كلية الآثار جامعة القاهرة عام 1990، تعمل معلمة تاريخ، نشرت العديد من المقالات والقصص في المجلات والصحف المصرية والعربية مثل: ( الوطن ـ أخبار الأدب)، لها سلسلة مقالات في مجلة( العربي الكويتية).
ـ أصدرت ثلاث مجموعات قصصية( وإذا انهمر الضوء ـ من خرم إبرة ـ رشح الحنين)، وثلاث روايات:( لون هارب من قوس قزح ـ الأروالا ـ الكفة الراجحة) وقد نالت عدة جوائز، من بينها جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2003، وجائزة نادى القصة عام 2004، وجائزة دبي الثقافية ، وجائزة الشارقة للإبداع ، وحازت القصة القصيرة( صليل الأساور) علي جائزة راديو البي بي سي عام 2014.
ـ وقد صدرت رواية ( بحجم حبة عنب) لأول مرة عام 2014، ودخلت القائمة الطويلة (للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2015 ـ البوكرـ)وجائزة ساويرس للرواية.
ـ تنتمى الرواية إلي السيرة الذاتية ( فهي تجربة ذاتية إنسانية قوية جدًا)، أو إلي ما يُسمى أدب الاعتراف.
ـ تحكي الرواية قصة أم يُصاب أصغر أبنائها بورم خبيث فوق جذع المخ، هذا الورم بحجم حبة عنب، ومن خلال الرواية تحكي قصة مرضه متداخلة مع قصتها، منذ طفولتها حتى مرحلة ما بعد إصابة ابنها، ومحاولاتها المستميتة والمستمرة لعلاجه.
ـ اتخذت الكاتبة من مرض ابنها مدخلا للرواية، ولسرد اعترافاتها وبداياتها وحياتها حتى لحظة مرضه، تبدأ باستعراض ضميرها والصراع الداخلي لها وعلاقاتها بالآخرين خلال أربعين عاما مضت.
ـ تبدأ باستعراض علاقها والقراءة في علم النفس، التي تري أنها أفسدت عليها حياتها؛ فقد توهمت بسببها قدرتها علي الفهم والإدراك، وتعاملها مع الجميع علي أنهم مرضى ومعقدون
( صـ حتما أفسدت القراءة المبكرة في علم النفس حياتي؛ لأنها أوهمتني أنني قادرة علي فهم نفسي والآخرين ……. لذا تعاملت مهم جميعا على أنهم مرضى ومعقدون، وأحيانا بحاجة إلي علاج ولو بالتخابر …).
ـ الرواية عبارة عن مواقف متفرقة من هنا وهناك، تبدأها من قريتها وطفولتها المبكرة وتعاملها كصبي(صـ 11عندما أتذكر طفولتي تتراقص أمامي صورة فتاة سمراء بشعر قصير يشبه الصبيان….). ( ص12 هو أنا بنت ؟ فجاء جوابها ” أيوه ..أنت بنت لابسة حلق جميل في ودانك”) فإدراكها أنها بنت لا يتعدى ارتداء الحلق.
ـ تتعرض الرواية لعائلة من عائلات الصعيد، تقطن جنوب الصعيد، وتنعى الكاتبة المرأة داخل ذلك المجتمع الذى لا يعرف أدب النساء، ولا يقره، ولا يعترف بإبداع المرأة إلا داخل جدران منزلها، ولا يعطيها الحق في إظهار العطف والحنان إلا للزوج والأولاد، ولا يحق له الظهور حتى ولو كان على الورق.
ـ أظهرت في الرواية حنقها علي التقاليد البالية المُكبلة للمرأة وإبداعها، ويظهر ذلك في إصرارها علي الكتابة وتحديها للزوج ، وإحضار الصحف لإثارة حفيظته ، كذلك وضعها النقود داخل الظرف لتظهر أزيد من الحقيقة؛ محافظةً علي شكلها أمام الزوج، كذلك تحايلها عليهم والكتابة باسم مستعار وطلب النصيحة من ذلك الكاتب دون البوح باسمها الحقيقي، ما كان ذلك إلا بحثا عن ذاتها، وتحديًا للواقع المرير.
ـ كما عبرت عن ذلك الحنق بعلاقتها القاسية مع ( أمها ـ زوجهاـ أبنائها ـ أخوتها ) ولم يسلم من ذلك كله إلا ( بكر) حبيبها، الذي ظلت تحبه حتى بعد زواجها.
ـ نرى ذلك التذمر كذلك عند الزوج وحبه لـ ( نهلة )، وقد ظل ذلك الزوج طوال الرواية الحاضر الغائب، وتتضح علاقته بالكاتبة منذ اليوم الأول لزواجهما، والحالة التي ارتضى وجوده عليها، من الإهمال والابتعاد حتى اتسعت الهوة بينهما ولا يظهر له دور في حياتها إلا حين يعترض على كتابتها للروايات والقصص، واتهامه لها كغيره بأنها سببت له الفضيحة.
ـ أظهرت الرواية قدرة الكاتبة على الكتابة، والتمتع بالخيال؛ وذلك حين اعترفت لابنها بأن أحداث هذه الرواية ربما كان من وحى خيالها، ويظهر ذلك من خلال حكاياتها عن علاقتها بالآخرين خاصة الزوج.
ـ يظهر ذلك الخيال جليا حين حكت عن زوجها ( أحمد ) ورحلته الدراسية إلي ليبيا وعلاقاته العاطفية، وقصص أصدقائه وصديقاته، وقد ذكرت أنها استوحت هذا الخيال من بعض الخطابات والصور التي تخص الزوج، وقد وجدتها في دولابه في صندوق خشبي، فتحته بعد أن استبد بها الفضول؛ لمعرفة شخصية ذلك الزوج الغامض التصرفات، فقد وجدت أنه كان يتمتع بالعاطفة الجياشة التي تطل من خطاباته، وقد تجمدت تلك الحميمية بعد استقراره وفقدانه لحبيبته(نهلة).
ـ تظهر بداية تذمرها عليه حين تنظر لنفسها وتتساءل: ( صـ 33 صورتي كامرأة في الأربعين بهية ومكتملة، كانت تأتيني من مخيلتي وتغيب عبر الحائط ، فأتساءل بصمت : ألا أعجب أياك؟. كيف لا أعجبه وأنا المح نظرات الإعجاب في عيون معظم الرجال الذين أتعامل معهم بحكم عملي في المدرسة من ناحية، وكتابتي للقص عن العلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة من ناحية أخرى…).
ـ كذلك تعرضت لعلاقتها بوالدها وتوتر تلك العلاقة( ص95 أبي بدأ ينسحب من حياتنا ليتقوقع داخل آلامه، قبل أن تتشابك خيوط حياتي بخيوط حياته، لا أذكر أننا تحدثنا مرة كأب وابنته)
ـ ( صـ 96 وفي أقصى الأماكن ازدحامًا سقط، ….. كم تمنيت ألا يكون أبي في هذه اللحظة، أردت أبًا فتيًا يحملني ويرفعني عاليًا كي أقطف الغيمات ..)
ـ ( صـ63 لماذا يصر الآباء علي إنجاب أطفال صغار سيتركونهم وحيدين؟ ولماذا نحبهم علي الرغم من عجزهم؟؟
*كذلك علاقتها بأولادها، وكيف كانت أمًا غير جيدة، فلم تعرف كيف تحبهم أو تربطهم بها كما كانت تريد، ولم تعترف لهم يومًا بحبها، بل تعاملت مع كل منهم تعاملًا سطحيًا، فقد تعاملت مع ابنتها بسطحية شديدة ومع تليفوناتها المستمرة، بل لم تسأل يوما مع من تتحدث، حتي في ذلك الموقف حين ضبطتها وصديقتها تتحدثان مع ولد، لم يكن لها موقف ، وكذلك مواقفها السلبية تجاه زيها الضيق والقصير، كذلك رسوبها مرتين لم تعبأ به( علاقتها مع ابنتها تحمل نفس توتر علاقتها بأمها).
*كما تعرضت لعلاقتها مع إخوتها، تلك العلاقة السطحية والخلافات المستمرة بينهم، ولا تذكر في حديثها عنهم شيئًا جيدًا، بل أحيانًا كثيرة هي من تقطع العلاقات معهم، وتتسم بالجمود بل وتفتعل المشكلات، وفي نهاية الرواية تعترف بخطئها حيث تجدهم يقفون بجانبها؛ فيجمعون المال لمساعدتها في علاج زياد، كما يذهب معها أخوها (يوسف) للأطباء، وكذلك يستخرج لها جواز السفر من أجل المهرجان، ثم يأتي ( هادي) ليحل مشكلة تساقط الشعر حيث يحلق رأسه تمامًا هو وزياد؛ حتى لا يشعر بالحزن.
*تتعرض لعلاقتها بأمها؛ فهي علاقة متوترة نتيجة لانشغال الأم بمرض الأب، وكثرة الأبناء، فهم عشرة أبناء، كما تلقي بمسؤولية زواجها من أحمد علي( يوسف ـ أمها ) حيث أخفيا عليها سن أحمد الحقيقي وأنه يكبرها بعشرين عامًا، وبِناءً عليه كانت تهمش علاقتها بها، وترفض التقرب منها حتى غادرت النجع إلي الغردقة؛ مما أراحها من هذا الطقس الثقيل الوقع علي قلبها.
*لم تكن هناك علاقة ترضى عنها غير علاقتها ( ببكر)، وهى العلاقة الوحيدة التي أجادت الوصف فيها والتعبير عنها بلا ملل، حتى أنها حين جاءت القاهرة بعد سنوات طويلة لم تشعر بنفسها إلا وهى في الجامعة تجلس بالمدرج في انتظار بكر كما فعلت منذ سنوات بعيدة، فقد أحبت استعادة تلك اللحظة، وقد عاشتها بكل تفاصيلها ( لحظة خارج حدود الزمن ).
*الشيء الآخر الذي أجادت التعبير عنه: حجم الألم الذي تعرضت له كأم مكلومة صغيرها المحبب لقلبها، وذلك حين تذكر ما سيحدث في المستقبل، حال فقده وعدم تحملها بقاء ابنها في العالم الافتراضي وصعوبة محو حسابه رغم موته، وقد لجأت لحيلة لمعرفة كلمة سر الحساب حتى تستطيع محوه، فلن تتحمل رؤية تعليقات أصحابه عند صفحات الفتيات، بينما هو كنجمة محترقة في مكانٍ ما.
*عبرت عن ذلك الألم الذي يعتصر قلبها في لوحات السيارات، وما تحمله من أحرف مبعثرة لا تفسرها إلا طبقًا لحالتها:( ت ـ و ـ م ) ( موت )، ( ل ـ ق ـ ق ) ( قلق) ….
*تتعرض الرواية لبعض الأحداث التاريخية: ( دخول الأب المعتقل كأحد أعضاء الإخوان عام 1964 ـ فض عبدالناصر تحالفه مع الإخوان ـ تولي السادات الحكم ـ دخول الكهرباء للقرى ـ انتخابات مجلس الشعب ـ مبارك وتوليه السلطة ـ الثورة وعزل مبارك ـ محاكمات مبارك ومن معه ).
*تعرض الرواية لأهم حدث تاريخي في الفترة السابقة؛ وهي حال البلد أثناء ثورة يناير، وما تعانيه البلد من انفلات أمني وبلطجة، والرئيس السابق ورحلة علاجه بالمركز الطبي العالمي ـ في محاولة منها للمقارنة بين علاجه وعلاج الملايين من الشعب، وموت من لا يملك ثمن العلاج ـ كذلك محاكمة رموز النظام السابق، وتنظيم المظاهرات ، ومشاركة ابنها فيها.
*تناقش الرواية قضايا الصعيد وحرمانه من أبسط حقوقه المعيشية والطبية، وكذلك فساد أعضاء المجلس مما يعنى فساد الحكم، واستعانتهم بالبلطجية لتيسير أمورهم، وهذا الفساد ما هو إلا صورة مصغرة لفساد أكبر يتفشى في كل نواحي الحياة، وفي كل مناطق مصر في ظل حكم مبارك وعصابته.
*تظل الكاتبة طوال الرواية تؤكد علي مبدأ المرض جزاء الإثم، حيث تذكر في أكثر من موضع أنه مرض زياد نتيجة لعلاقاتها الالكترونية، التي لم تصرح بطبيعتها، بل تذكرها عرضًا في أكثر من موضع: ( صـ 194 لا تقل كما قال خالك إن الله يقتص مني، بسبب أفعالي الإلكترونية)
ـ ( صـ 242 الموت يحل بالإنسان خلال سقوطه الخاص. أنت لم تسقط بعد. مازال أمامك الكثير لتقترفه).
ـ ( صـ 257 علَّ مرضك هو جزائي عما اقترفته من آثام).
*الرواية في مجملها جيدة، قد نشعر بالملل ـ لكثرة الأحداث والحديث عن أشخاص حقيقيةـ لا نجد هنا غير أحداث تقليدية مع وصف زائد؛ مما يُصعب تقييم الفكرة والحبكة ( أحداث يومية تواجهنا أثناء سير الحياة بنا ).
*أجادت الكاتبة الانتقال بين الماضي والحاضر علي عكس ما قام به ( محمد عبد النبي في رواية رجوع الشيخ)ـ مع الاعتذار طبعا للكاتبة حال المقارنةـ فكلاهما أفكاره مشتتة، يذكرها الكاتب عن طريق استدعاء الذكريات، ولكن شتان بين الاثنين؛ فالكاتبة تذكر لنا أحداث حقيقية عن واقع نعيشه، وهو يذكر لنا مغامراته الجنسية.
*تنوعت اللغة بين العربية والعامية، مع ذكر بعض الجمل والعبارات الخارجة بلا مبرر، التي أثارت حفيظتي أثناء القراءة.
*جاءت الرواية دون فواصل أو فصول، ولجأت الكاتبة لتفتيت الشخصيات والأحداث، مما يثير فضول القارئ وربما يحرك ذهنه في جمع شتات الشخصيات، في محاولةٍ للتعرف عليها والوقوف على كنهها.
*نجد نزعة متحررة لدى الكاتبة تظهر من خلال حديثها مع الطالبات عن الحب أثناء الدرس، كذلك في سؤالها لابنها ماذا سيفعل في الجامعة غير شرب البيرة والتدخين، ومجالسة الفتيات.
*التقييم العام للرواية جيد كتجربة شخصية وسيرة ذاتية .

_____________________________________________

بقلم / نسرين محمد ابراهيم

اترك تعليقاً