نبيل الشاهد ناقد واعد … ودراسة حداثية عن بنية النص السردى ( بين النظر والتطبيق ) د/ شعبان عبد الحكيم محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

نبيل الشاهد ناقد واعد … ودراسة حداثية

عن بنية النص السردى ( بين النظر والتطبيق )

د/ شعبان عبد الحكيم محمد

دراسة بنية النص السردى ، بعيدا عن البحث عن الدلالات والمضامين الفكرية جاءت نتاج رؤية الشكلانيين الروس ، فيما عرف عنهم  بـ ( مصطلح الأدبية )  أى الصفات النوعية ، التى تجعل من نص ما نصا أدبيا ، فاتخذ النقد وجهة مختلفة عن وجهة النظر السابقة فى مجال الدراسات النقدية ، بعدما كان هم الناقد يتتبع دلالات النص الاجتماعية والنفسية والإيديولوجية ، أصبح هم الباحث الولوج إلى أعماق التشكيل الفنى للنص ،أو بتعبير آخر دراسة البنية النص ، هذه البنية التى تشكل معطيات النص الفنية ، فى علاقاتها المتداخلة مع بقية المكونات الفنية للنص الأدبى، كحزمة فنية تنتج نصا أدبيا .

والدكتور نبيل الشاهد – وفى مستهل دراساته النقدية – فى مجال النقد ، وفى هذه الدراسة (أطروحة ماجستير ) يجارى إيقاع العصر ، ومنجزاته النقدية ، يدرك جيدا أن فنية النص تنبع فى تشكيله الفنى ، وفى مجال القصة والرواية تنبع من بنيته السردية ، التى تؤطرها محاور ثلاثة ( بناء الشخصية – بناء الزمن – بناء المكان ) ولصعوبة استيعاب أمثال هذه الدراسة لفن القصة القصيرة عند الكتاب القصة عامة ، اختار الناقد شخصية متفردة فى عطائها الفنى ، وقيمتها وموقعها على خريطة القصة والرواية ، وهذه الشخصية هى ( سليمان فياض ) ووجد المبرر لهذا الاختيار ( قيمة إبداعه فهو كاتب من جيل الستينيات ، وقلة الدراسات المقالية عن هذاالكاتب ) وقسم دراسته إلى ثلاثة كالآتى :

الفصل الأول : بناء الشخصية : وفيه يتجاوز الرؤى السابقة فى تقسيم الشخصيات إلى : شخصيات محورية ، وثانوية ،ومسطحة  ، ونامية ، وسلبية وإيجابية ، وفردية ونموذجية ….إلخ ، ولكن وقف على الشخصية من خلال علاقتها بالنسيج القصصى ، أى دورها فى تشكيل النص القصصى ، من حيث دورها فى بنية القصة ، وعلاقتها بغيرها من الشخصياته ،وعلاقتها بالمكان  والزمان ، فجاء تناوله للشخصية فى محورين :

المحور الأول : الجزء المادى للشخصية : الاسم ،الملابس ، الملامح الجسمانية ، المهنة ،ويقف على دلالة الاسم وارتباطه بالحدث ، فهناك أسماء تدلل على قربه من الله والعبودية له ( كعبد الخالق ، وعبد العزيز ….إلخ )و هناك أسماء ريفية ( نفيسة ، جندية ) وهناك أسماء موقفية ، كالتى تدل على الفأل ( غريب كما فى قصة الغريب ) وأسماء مرتبطة بحدث ، وهناك  أسماء تنطوى على حكم قيمى ( كتسمية على بالأعرج ) فى قصة الأعرج ، …إلخ .الملابس : انطلاقا من مقولة بارت الشخصيات كائن من ورق ، ووصفها المادى يؤصل هذا الملمح ، ووصفها المادى يقربنا من الواقع المعيش ، وللملابس دور فى رسم الشخصية ، فمنظرها وملبسها يدلل على قيمتها الاجتماعية ،وتدل الملابس على التغير الاقتصادى ، والتغيير الدينى ، وقد تكون الملابس كاشفة للسلوك والعادات ، كلبس الملابس القصيرة ، فى البيئات المترفة ، ولبس ملابس الحشمة والوقار فى البيئات المتحفظة ، ويدل الملبس المرهف على المستوى الاجتماعى .

الملامح الجسدية : الذى يعتبر مدخلا لمعرفة الشخصية ، فالصفات الجسدية لها دور فى تحديد نشاط الشخصية ، ومقدرتها فى التعامل مع الشخصيات الأخرى ، ويتتبع وصف الكاتب لملامح الشخصية ، بداية من الوجه وجماله ، وتناسق الجسد، و لا ينظر للجمال الفاتن فى صورة استاتيكية جامدة ، بل فى صورته الديناميكية التى تجعله مثيرا وجاذبا ، وتعد الحركة من العناصر القادرة على إبراز مفاتن الجسد الأنثوى الذى تبرز معالمه ، إضافة إلى مهنة الشخصية ولاشك أن مهنة الشخصية لها دورها فى تشكيل بنية النص القصصصى ، وسلوكيات وتصرفات صاحبها .

المحور الثانى فى دراسته للشخصية يقف على الدور الوظيفى للشخصية : وفيه يقف على الشخصية القصصية فى جوانب أربعة :

1 ـ الدور الوظيفى للطاغية : وفيه يلاحظ  ثباتها على حالة واحدة رغم تعدد أشكالها ، و استدعائها لصورة المقهور ـ المقابل لهذه الصورة ـ فى نفس توقيت ظهور الطاغية ، وتتبع دراسة هذا النمط فى مجموعة من الشخصيات ، بداية بشخصية العمدة ، والباشا والملك ، ومقول الأنفار ، فى قصص عطشان يا صبايا ، وكل الملوك يموتون ، والغريب .

2 ـ الدور الوظيفى للمقهور: ويقف على صور شخصية المقهور فى قصص الكاتب ، المقهور بتأثير الفقر ، كما فى قصة وبعدنا الطوفان ،والمقهور بتأثير العوامل السياسية ، وتتجلى ملامح القهر السياسى على شخصيات سليمان فياض من خلال المظاهر الآتية: الخوف من الحاكم  ،كما جاء فى قصة ( الطائف مدينة جميلة )، الكبت السياسى: كما حدث لبطل قصة (الغضب)، الذى يقهر سياسيًّا بأن تحبس حريته فى التعبير عن رأيه، حاول ، والتصفية الجسدية ولا تقتصر التصفية الجسدية على صغار المقهورين سياسيًّا، بل تمتد لتطول الكبار منهم. لتصل إلى مدير مكتب الرئيس وكبار الضباط الذين يقتلهم الرئيس فى قصة (ليلة أرق فى حياته) كدليل على غياب السلطات التشريعية والقضائية عند الحاكم المستبد ، الدور الوظيفى للمرأة : وفيه يقف على قصص ذكورية فقط: وهى القصص التى لا ترد فيها أى شخصيات نسائية فقط (الضباب، أوراق الخريف، الكلب عنتر …إلخ )أو دور هامشى ، لا يشكل أى دور جوهرى، بل ولا يمكن تمثله واستحضاره حتى كفاعل ثانوى وهى (الغريب، حلقة ذكر، كل الملوك يموتون، ذات العيون العسلية، بلهنية، العودة، ضريح ولى الله المقدس، المسلسل ..إلخ) وقصص ثنائية الجانب: وهى القصص التى تجمع بين حضور كلا الجنسين، باعتبارهما شريكين فى صنع الحدث، وهى (سندريللا، قنديل، الذبابة البشرية …إلخ) وقصص نسائية: وهى التى تقوم فيها المرأة بالبطولة مع حضور الرجل باعتباره شريكًا فى صنع الحدث معها، وهى (الذئبة، جاكيت من الفرو الرخيص، امرأة وحيدة، عنزة خالتى جندية) ويستخلص من رصده لهذه الظاهرة  انحياز عالم سليمان فياض إلى منطقة الذكور الخالصة أو تلك التى لا يكون للمرأة فيها دور يذكر ، واستحوذ الرجل وبشكل منفرد على دور الراوى، فى حين غابت المرأة تمامًا عن القيام بهذا الدور، الدور الوظيفى للفدائى، هذه الشخصية وردت فى خمس قصص هى (جسر حى – الرجل والسلاح – العودة إلى البيت – الإنسان والأرض والموت – أحزان حزيران) وهذه القصص ، تصور النضال القومى مع العدو الإسرائيلى ، ولاحظ تتميز الشخصية بسمات تتسق وطبيعة المضمون السائد، وأهمها ،غياب عناصر العرض التعريفى: لا يهتم الكاتب ـ فى الغالب ـ برصد عناصر العرض التعريفى (الاسم، السن، المهنة، الملامح، …) الثبات حيث قدم معظم شخصيات هذه القصص مكتملة منذ ظهورها الأول بحيث لا يتوقَّع القارئ تغيرًا، فى تفكيرها وسلوكها مع تتابع الأحداث، بل تظل ثابتة على موقفها الذى رسمه لها المؤلف، والذى ينميه ما يصدر عنها من قول أو فعل ، ولاحظ غلبة الحدث على رسم الشخصية ،وطبق النموذج العاملى لجريماس فى تحليل الدور الوظيفى للفدائى من حيث هو فاعل ، له مساعد ، وضد  مناوئ ، كما أنه يوضح الأدوار من خلال محور الرغبة  ، وغاية الفعل( فى القصص الخمسة السابقة )

الفصل الثانى : بناء الزمن : وفيه يستفيد من الدراسات الحداثية فى دراسة الزمن ، أهمها رؤية الشكلانيين الروس للتعارض بين المتن الحكائى والمبنى الحكائى ، والتحريف الزمانى عند تودوروف ، وعدم التشابه بين زمن القص وزمن الخطاب ، فزمن القص زمن خطى ، وزمن القص زمن متعدد الأبعاد ،، ففى القصة يمكن لأحداث كثيرة أن تجرى فى آن واحد، لكن الخطاب ملزم بأن يرتبها ترتيبًا متتاليًا يأتى الواحد منها بعد الآخر ، واستفاد من المفارقة الزمنية عند جينيت ،و درس جينيت الزمن السردى فى ثلاثة مواضع، يتعلق الأول بالترتيب الزمنى، ومنه ينتج الاسترجاع والاستباق، ويتعلق الثانى بالحركات السردية (الديمومة)، وفيه يدرس قياس سرعة الزمن السردى قياسًا بالترتيب الطبيعى للحكاية ونتج عنه أربع حركات هى (الحذف ـ المجمل ـ المشهد ـ الوقفة) وفى الأخير درس (جينيت ) التواتر، أو معدل التردد وهو المعنى برصد التكرار الحاصل على مستوى الحكاية مقارنة بالخطاب، فالعلاقة بين زمن القصة وزمن الخطاب علاقات متشابكة بين حركيات متعددة لأزمنة الخطاب وفضاءاته، فنحن من جهة أولى نكتشف علاقة زمنية الخطاب بزمن التخيل، ومن جهة أخرى نكتشف العلاقة بين الزمنين وأزمنة إنتاج وتلقى النص، أى السياقات المنتجة والقارئة، هذا عن موجز رؤية للنقاد لدراسة الزمن فى الرواية ، يمثل عند الناقد د . نبيل  المهاد النظرى ، ثم دخل بعد ذلك فى دراسة بناء الزمن فى القصص القصيرة عند سليمان فياض ، فى محاور أربعة ، 1-  التحديدات الزمنية ، 2- الترتيب الزمنى ، 3-  التقنيات السردية ، 4- التواتر الزمنى.

التحديدات الزمنية ، وفيها يعتمد على الإشارات المبثوثة داخل القصة ، والتى تشير للزمن بطريقة غير مباشرة ، حيث تساعد العديد من الإشارات الزمنية المبثوثة داخل النص السردى على الإيهام بواقعية هذا القص، ويتتبع مظاهرها فى الزمن الريفى ، فى استخدام الشخصيات ، أو الراوى الزمن استخدامًا يوحى بالتحديد المرتبط وطبيعة الريف نفسه، ويتم ذلك عبر العديد من المظاهر، كالإشارة لزمن المحصول ، وزمن الجفاف ، وزمن بذر البذور، أو تحديدات زمنية ترتبط بالزمن الدينى،(زمن الصلوات ـ زمن الصوم ـ زمن الحج) وفى ربطه بين الزمن ودلالة الوقت ، كحديثه عن الزمن ليلا فى إحدى قصصه ، يجعل محور الزمن يندغم بالقص ، من خلال تجسيد الليل ، وكأنه موسيقى تصويرية للقصة ، لنرى السكون وأنين الضفادع كلحقة صراخ نسائية .

وقد يستخدم الراوى الظواهر الطبيعية لتحديد زمن الحدث ( كالشمس والقمر ) ويربط  المؤلف بين الزمن والحدث فى بنية النص ، بربطه بين هذه الإشارات وبناء الحدث ، فانتظار رجوع الرجل إلى  البيت فى المساء، يظهر فى انتظار زوجته ، ثم الاستعداد للعشاء ، بعدها السهر والحكايات ، التى تأخذ طابعا أسطوريا ….إلخ ، و يلاحظ أنه فى الزمن الريفى يمكن ملاحظة (حدثية الزمان) أى التأريخ للأحداث ، ويربط الكاتب بين الزمن ودلالته

النفسية العميقة فى وجدان أصحابها ،كزيارة أحد المشايخ ، ومواعيد الانتخابات

ومن إشاراته الزمنية للوقت ( الليل والنهار ) وهناك قصص  وقتها نهار فقط ، وهناك قصص ليلية ، وهناك قصص تزاوج بين الاثنين ،ومن التحديدات الزمنية استخدام زمن الساعة ، وقد لاحظ الناقد قلة استخدام سليمان لزمن الساعة ، و يستخدم راوى سليمان فياض زمن الساعة القصير كمحدد زمنى يدل على ما يمكن أن يحدث من أحداث جسام فى وقت قصير.

وفى حديثه عن علاقة الترتيب والتى يمكن من خلالها  يمكن ملاحظة مدى الانحرافات بين زمن السرد الخطى وزمن الحكاية متعدد الأبعاد من خلال علاقتين أساسيتين، هما: الاسترجاع  والاستباق ، الاسترجاع هو الشكل الزمنى الأكثر تكرارًا فى مستويات السرد الواقعى، وهو أحد التقنيات الأثيرة فى السرد الكلاسيكى، كما أنه يمثل العصب الحيوى لقياس الانحرافات الزمنية فى علاقة الترتيب، ويلجأ الراوى لاستخدام الاسترجاع للدلالة على العديد من الوظائف الفنية، فهو يأتى لملء الفجوات التى يخلفها السرد وراءه سواء بإعطائنا معلومات حول سوابق شخصية جديدة دخلت عالم القصة ، أو بإطلاعنا على حاضر شخصية اختفت عن مسرح الأحداث ، ثم عادت للظهور من جديد، كما أنه يشير إلى أحداث سبق للسرد أن تركها جانبًا واتخاذ الاستذكار وسيلة لتدارك الموقف وسد الفراغ الذى حصل فى القصة. أو العودة إلى أحداث سبقت إثارتها برسم التكرار الذى يفيد التذكير، أو حتى لتغيير دلالة الأحداث الماضية سواء بإعطاء دلالة لما لم تكن له دلالة أصلاً، أو لسحب تأويل سابق واستبداله بتفسير جديد ،والاسترجاع تقنية أثيرة لدى سليمان فياض، فمن النادر أن تخلو قصة من وجود هذه الظاهرة المميزة ، ونلاحظ وجود بعض القصص (عطشان يا صبايا، أحزان حزيران، الإنسان والأرض والموت، أطلال على رصيف مقهى، الصوت والصمت) التى تقوم برمتها على استخدام هذه التقنية كهيكل عام تشيد عليه أحداث هذه القصص ، ويقف على الاسترجاع الخارجى الذى يعود إلى ما قبل بداية الرواية ، وهو الأكثر شيسوعا فى قصص الكاتب ، ثم على الاسترجاع الداخلى ، الذى يعود إلى ماضى لاحق لبداية الرواية قد تأخر تقديمه فى النص ، وهذا النوع من الاسترجاعات قليل جدًّا فى قصص سليمان فياض، وتعد الاسترجاعات الموجودة فى قصة الغريب من أبرز الأمثلة التطبيقية على هذا النوع .ويقف على الاستباق ،و هو الشكل الثانى لعلاقة الترتيب، وهو أقل ورودًا فى الأشكال السردية من الشكل الأول ( الاسترجاع )  ويكثر مجيئه فى الحكى بضمير الأنا، ويدل الاستباق على كل حركة سردية تقوم على أن يروى حدث لاحق أو يذكر مقدمًا ، وعلى الرغم من قلة استخدام هذه التقنية فإن سليمان فياض ينوع فى استخدامها بأشكال متعددة ومتجددة كما أنه لا يفصل فى استخدام هذه التقنية بين التمهيد والإعلان.

التقنيات السردية ، والتى تقوم برصد العلاقة بين زمن القص وزمن الخطاب ،لاستحالة وجود حكاية متواقتة، يتساوى فيها زمن القصة مع زمن الحكاية، إذ ينتج عن حكى قصة حدثت بالفعل مفارقة زمنية بين الزمن الذى يمكن أن تستغرقه الأحداث فى الواقع  ،بالوقت الذى تتطلبه قراءة هذه الأحداث، وهذا العامل يؤثر فى سرعة إيقاع السرد، وفى الإحساس الذى يتوَّلد فينا بأن الرواية سريعة الحركة أو بطيئتها ، ووقف على الحركات السردية الأربعة التى وقف عليها الدارسون ( الوقفة ، المشهد ، المجمل ، الحذف )

الحذف ، كأن يقول الكاتب ومرت أيام أو أعوام ، وتلاحقت ،أى أحداث يتخيل الكاتب وقوعها ،ولكن لا يتعرض لها الكاتب ، ويكثر الراوى من استخدام العديد من أشكال الحذف المختلفة، ولعل كثرة استخدام سليمان فياض للشكلين الرئيسيين للحذف وهما:   الحذف النصى ،و البياض الطباعى،  الذى أجل للوقوف عليه فى نهاية لبحثه ، باعتباره تقنية طباعية .

و الإكثار فى الحذف النصى يرجع إلى رغبة الراوى فى المرور السريع على الفترات الزمنية المهمشة ـ الخالية من الأحداث، أو تلك التى لم يرغب الراوى فى الحكى عنها ـ الخلاصة ،و تعتبر ضربا من الحذف لأنها تقوم على السرد فى بضع صفحات لعدة أيام أو شهور أو سنوات من الوجود، دون تفاصيل أعمال أو أقول ، وفى قصص سليمان فياض يكثر استخدام هذه التقنية للدلالة على الكثير من الوظائف الفنية، فهى تلعب دور المرور السريع على فترات زمنية ،وفى  نفس القصة يقوم الراوى بعمل خلاصة تعمل كخلفية افتتاحية مؤطرة للأحداث التى بسببها وقعت الواقعة كما فى قصة ( الطائف مدينة جميلة  ) وتلعب الخلاصة دورًا فى التعريف بالشخصيات الثانوي ، المشهد الذى تكون فيه  الفترة الزمنية الموصوفة مساوية تقريبًا لزمن القراءة ، أى أن فى المشهد أو الحوار ـ غالبًا ـ الذى يتحقَّق فيه كما رأينا من قبل نوع من التطابق بين زمن الرواية وزمن القصة ، ويفطن الناقد إلى أن هذا التساوى ليس شيئا سيمتريا دقيقا ، و يستدل بكلام جينيت لا يمكن اتخاذه النقطة المرجعية أو الدرجة الصفر للتزامن الفعلى إلا على سبيل المجاز.

والوقفة نقيض الحذف ، لانه تقوم على الإبطاء المفرط ، لدرجة قد تؤدى إلى توقف السرد ،وذلك لتقديم الكثير من التفاصيل الجزئية على مدى صفحات وصفحات ، فزمن السرد يطول ويمتد على حساب زمن الحدث المتوقف، ويقف الناقد على الوقفة الوصفية والوقفة النفسية فى قصصه وما لهما من دور جمالى فى إبداع سليمان فياض .

ويقف بعدها على التواتر،أو التكرار ،ويستهدى برؤة جينيت فى حديثه عن الالحدث المكرر ،أو الحدث غير المكرر ، والمنطوق المكرر ، أو غير المكرر ،فالحكاية التفردية هى الحكاية التى تروى مرة واحدة ، دون تكرار ، فالراوى يكتفى بعرض حدث واحد بملفوظ واحد مكتفيًا بما يثيره واستشهد لهذا النمط بنماذج من أعمال الكاتب  ( الغريب ، زهرة البنفسج ، وفاة عامل مطبعة ، فى زماننا )

إذن فالتكثيف الفنى والإيحاء المطلوب هما عماد التواتر المفرد، ثم وقف على الترجيعى التفردى ، ويقصد به أن يروى مرات لا متناهية ما وقع مرات لا متناهية ،ويشيع هذا النمط فى قصص سليمان فياض التى يلجأ فيها الراوى إلى حكى مرات كثيرة ما حدث مرات كثيرة، فقد يقع الحدث مرتين أو ثلاث أو أربع مرات فيحكيه الراوى بنفس عدد مرات وقوعه أى يحكيه مرتين لأنه حدث مرتين أو يحكيه ثلاث أو أربع مرات لأنه حدث ثلاث أو أربع مرات ، ووقف على نماذج من قصص الكاتب ، مثل (أطلال على رصيف مقهى) وبلهنية ، وعطشان يا صبايا ،النداهة ، عنزة ختانة جندية ، الأعرج ،اللغز  ) ووقف بعدها على الحكاية الترددية  ، ويقصد بها أن يروى مرة واحدة (بل دفعة واحدة) ما وقع مرات لا نهائية  ، أى أن الملفوظ السردى الواحد يحمل دلالة حدوث الفعل المتكرر، وتختلف الوظائف الفنية فى هذا النوع من التواتر عن غيرها من الأشكال السابقة إذ يغلب على هذا النوع عدم الرغبة فى التطرق إلى تعدد الرؤى، لأن المقصود هو المغزى فقط أو دور الحدث نفسه فى تركيب المبنى الحكائى للنص ، ووقف  على نماذج من قصص الكاتب ( مثل زينب ، الأعرج ، الجفاف ، وفاة عامل مطبعة ، الكوتشينة ، امراة وحيدة …إلخ )

الفصل الثالث : بناء المكان : المكان  تقنية من التقنيات فى القصة القصيرة والرواية ، وليس ديكورا ،أو خلفية للحدث ، ويتناول الناقد المكان فى شقين ، الشق الأول : الفضاء القصصى ، و هو الإطار العام الذى يحيط بمجموع الأحداث والشخصيات القصصية، لأنه أكبر من كل مكان موصوف، حتى وإن كان المكان الموصوف يتسع ليشمل وصفه مقاطع نصية كبيرة بالقياس لحجم القصة نفسها،  ويقف على  ثلاثة فضاءات تحكم تشكيل البنية المكانية لأعماله، وهى  الفضاء المحدد ، ويمكن تقسيمه إلى تقاطبات تبدو كبرى نوعا ما مثل: (القرية/ المدينة) ـ (الصحراء/ البحر) ـ (الضيق/ الواسع)، الخ، ويعد فضاء القرية/ المدينة أبرز أنواع هذه الفضاءات المحددة فى قصص سليمان فياض ، الفضاء المبهم: وهو الفضاء غير المحدد لغلبة القضايا الفكرية والتصورات التجريدية على عناصر القص، فالأفكار تتحاور وتتجادل فى عليائها بعيدا عن أى إطار يحاول الإمساك بها، ويعد غياب الفضاء وعدم تحديده إحدى أهم سمات قصص الأفكار عند سليمان فياض، ففى قصص (على الحدود، الكلب عنتر، ليلة أرق فى حياته، الشيطان، خريفان، القفص).

الفضاء المتعدد ( المتشظى ) : حيث تتشظى الأماكن بتقاطعها وتعددها وتداخلها بما لا يمكن معه العثور على فضاء واحد شامل للقصة ، وقد ظهر هذا الفضاء فى مجموعة القصص التى تتخذ من أحداث الخامس من يونيو 1967م، محورًا لها، يدل على ذلك عنوان المجموعة (أحزان حزيران)، والتى تضم ست قصص، أفرد منها ـ الكاتب ـ أربع قصص للدلالة على هذا الحدث، بالإضافة إلى قصة (العودة إلى البيت) والتى وردت فى مجموعة (العيون).

وقف على فضاء القرية ، وما يقابلها فضاء المدينة ، ففضاء القرية من حيث الموقع-  فى قصص الكاتب – ينقسم من حيث التصنيف الجغرافى ، المعروف بالدلتا مقابل الصعيد إلى : قصص محددة الموقع وتدور أحداثها فى قرى الدلتا عمومًا، وقريبة إلى حد ما من بعض المدن (الزقازيق ـ طنطا ـ ميت غمر ـ دمياط).  ، و قصص غير محددة الموقع بالمرة، ويدفع عدم تحديد موقعها الاحتمال بكونها تحكى عن القرية التى حدد موقعها فى القصص الأخرى ، ووقف على فضاء القرية ودوره فى تشكيل بنية النص ، ووقف على المدينة وما بهذا المكان من قيم تدهورت ، وتمزق أخلاقى .

ووقف على المكان الرمز كالأماكن الأثيرة ، كالبيت – مستفيدا من باشلار وجماليات المكان – فالمكان له قيمته الرمزية ، رمز للطفولة ، وللحياة الرغدة الجميلة ،أو العكس ، وللأثاث رمزيته فى الدلالة على مستوى البيت اجتماعيا …إلى آخره ،والبيت عند سليمان فياض له أنماط عديدة، ويقبل فى مجموعه الدخول تحت العديد من التقاطبات، وأعتقد أن أبرز هذه التقاطبات هو تقاطب (البيت الريفى فى مقابل البيت الحضرى/ المدنى والبيت المهجور فى مقابل البيت المعمور).

ووقف على الطريق/ الشارع، من الأماكن ذات الدلالة المهمة فى تشكيل المكان ، فهو منطقة محايدة بين مكانين، شريان الاتصال بين الأماكن، أداة ربط وهمزة وصل بين الداخل والخارج والقريب والبعيد، وهو فى الواقع مكان مرور وانتقال، يرتاده الناس كافة، فحق المرور فى الطريق مكفول للجميع.

المعهد الدينى والمدرسة والجامعة، أماكن دراسية تنقل بينها سليمان فياض، طالبًا ثم مدرسًا لفترة طويلة من حياته، ولذلك حظيت هذه الأماكن بنصيب كبير فى عالمه القصصى، يحكى فيها وعنها الكثير من التجارب الحية التى شاهدها بعينه أو سمع عنها وعايش تفاصيلها،المقابر وتعد  – فى القصة عند الكاتب –  أحد الأماكن ذات الوجود الفعال فى بنية السرد المكانى عند سليمان فياض، تستمد فاعليتها من حضورها نصيًّا فى العديد من القصص، بالإضافة لكونها تمس قضية الموت ، وهى قضية قائمة بذاتها، تشكل محورًا مهمًّا فى عالمه القصصى ، فالمقابر جزء لا يتجزأ من عالم الأحياء، الذين هم واردوها فى يوم من الأيام.

و أنهى دراسته للمكان بملحق تقنى ، يرتبط بغخراج الصفحات من حيث الحجم ، والنسق الطباعى الذى له دور فى تشكيل النص ، من حيث التصميم الشكلى  :الخطوط الأفقية والعمودية ،والهوامش ، والصفحة ضمن الصفحة ، و ألواح الكتابة  ، الفهارس ، كما رأى بوتور ، ويرصد لمدى إفادة سليمان فياض بعض هذه التقنيات، فى الكتابة الأفقية ، والكتابة العمودية ، وينهى دراسته لهذه التقنية بجدول يعكس لنا  المساحات الطباعية فى الورقة عند الكاتب ، وعلاقة ذلك بنسبة الحوار إلى نسبة السرد فى قصصه ، وتنوع وسائل الكتابة القصصية .

هذا عن الخطوط العريضة فى دراسة الناقد ، والتى حاولت جاهدا أن أنقل محتواها إلى المتلقى ، لأعايش القارىء فى مقدمتى عن هذه الدراسة ، وفى الوقت نفسى لأبرهن على حكمى على هذه الدراسة ، بأنها تسعى لدراسة النص من خلال مكوناته التقنية ، التى تمثلت فى بناء الشخصية وبناء الزمان وبناء المكان ، فلم يعرض الناقد لهذه التقنيات فى صورة تقليدية ، وفى الوقت نفسه عرض لها من خلال شبكة العلاقات المترابطة فيما بينها ، فالشخصية لها علاقة بالزمان والمكان ، فالشاب فى تصرفاته ، يختلف عن العجوز ، والطفل عن الصبى ، وبطل القرية يعيش بمفاهيم تختلف عن بطل المدينة …إلخ .

واتسمت الدراسة بالشمولية ، فمثلا فى تتبعه لسمات الشخصية ، يدرسها من حيث تكوينها المادى ( الاسم ، والهيئة ، والصفة ، والعمر …إلأخ ) ثم يدرسها من خلال علاقاتها بالمجتمع ، ولكل شخصية مقومات ما فى تعاملها بالمجتمع المحيط بها ، السياسى بالسلطة ، والمرأة بزوجها ، وبتقاليد المجتمع فى نظرته للأنثى ….إلخ .

وقد أثرى البحث بمجموعة من المراجع الحداثية ، العربية والمترجمة ، وهذه نقطة ثراء للدراسة وتفردها ، إضافة إلى جمعه بين الدراسة النصية الجمالية ، فى عرضه لمباحثه ، والجانب التقنينى ،الذى تجلى فى الجداول ، والإحصائيات التى تضىء ملمحا معينا ، ولفطنته ألمح إلى أن الإحصائيات ليست نتيجتها حاسمة ، بدليل كثرة القصص التى تنتمى للمدينة ، ولكننا نلاحظ توغل عمق القرية فى إبداعه ، وهامشية المدينة ، سواء على مستوى الشخصيات ـأو القيم التى يتضمنها النص .

الناقد د . نبيل الشاهد ناقد واعٍ ، ويمتلك أداة فنية ، وذوقا ثاقبا ، وإن كانت هناك كلمة فى أذنه ، فنصيحتى له ، بتوالى مثل هذه الأعمال فى مجال السرد ، لتضيف إلى النقد السردى الجديد والجديد  ، فما زال هناك كتاب يحتاجون لجهده ، فى الكشف عن أعماق عالمهم السردى ، فى صورة متداخلة متناغمة ، لدراسة البنى السردية التى تشكل هذا النص ، لأن القراءة الجادة تثرى النص ، وتضيف إليه الجديد ، هذا ما دعا إليه منظرو نظرية التلقى انطلاقا من القارىء شريك للمبدع فى إبداع نصه ، والله الموفق إلى سواء السبيل .

 

يشرفنا زيارتكم واعجابكم بصفحتنا على الفيس اضغط هنا للاعجاب بصفحة مبدعى مصر

 

 

 

 

اترك تعليقاً