موسوعة كتاب القصة بمصر / الكاتبة: حورية عبيدة

  حورية عبيدة * 

كاتبة صحفية وقاصّة مصرية *

مواليد محافظة الدقهلية *

حاصلة على بكالوريوس الصحافة كلية الإعلام جامعة القاهرة *

أكتب المقال الصحفي بعدد من الصحف والمجلات العربية *

صدر لي

مجموعة قصصية:

“ويبقى عطرها”، وكذلك:

“ترنيمة عشق”،

و”أغنام فوق سطح السفينة”،

ورواية أخرى قيد الطبع. *

عضو لجنة تحكيم القصة القصيرة بإذاعة لندن بي بي سي عربية. *

مستشارة إعلامية لمجلة “لغة العصر” الصادرة من مؤسسة الأهرام.. ومشرفة على باب “إبداع دوت نت”. *

مستشارة لمجلة عين الإمارات بالإمارات. *

حاصلة على درع الكُتّاب المتميزين من مجلة “لغة العصر”. *

رئيس تحرير سابق لمجلة “المعرفة”. *

من مؤسسي مجلة “الأهرام العربي”. *

نشرتُ قصصي ومقالاتي بمصر في:

صحيفة الأهرام، وصحيفة الجمهورية، ومجلة نصف الدنيا، ودار المعارف، وجريدة المشهد، ومجلة لغة العصر، ومجلة تواصل الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. *

كما نشرتُ بمجلة زهرة الخليج، وجريدة الخليج، ومجلة الإمارات الثقافية، ومجلة عين الإمارات بالإمارات. *

كذا نشرتُ بجريدة الأحرار بالجزائر. *

وكذلك بجريدة فاس المغربية. *

تم ترجمة العديد من قصصي ومقالاتي للغة الإنجليزية، ونُشرت بالصحافة الأمريكية.

 

 

ويَبْقَى عِطْرُها

“قصة قصيرة”

حورية عبيدة 

أتعبتها لواعِج الحياة، وأضْناها شقاء البحث عن السعادة، وأعْياها العثورُ على طمأنينة القلب، فتغشّتها سحابة مِن كآبة، وتاقَت رُوحها للانعِتاق من القَيد الجسدي والحيز الأرضي، أغمضتْ عينيها؛ تراود خيالاً رؤوماً ووصالاً حنوناً؛ اشتاقتْ لروعة الحُب والشِّعر والرومانسية، وحين بللتها أمطار الوَجْد، ناوَشها هاتفٌ من بعيد؛ ذلك الذي خبأ قصائدَه في عُمق عينيها، فأسَرّتْ له مُلبية: “هَأنذي؛ يا من وَسّد روحي فوق يديه”. أوْصدتْ باب غرفتها، أسْدَلتْ أمْواج شَعْرها الهادر؛ حَرّرَته من قَيده وصَفَدِه، تَبْغي خِفافاً من بعض أثقالها؛ وهمومها؛ تخلّتْ عن بعض ملابسها، ألقت نِعال قدميها بارتياحٍ بالغ، تهيأتْ لاستقبال قبائل الشَّجن الهارب مُذ أمَد، مدتْ ذراعيها أجنحة مُشَرّعَة مُحلِقة في الهواء، بِعَينِ رُوحِها مَسّدتْ أحلامها التي فشلت في تحقيقها، رَبَتَتْ على قلبها، أرْخَتْ جفنيها قليلا تتسمع خفقاتها، دون خجلٍ؛ قرَرَتْ أن تكشف َعن اختلاجات النفس المُتسَيّدة، وتُطيعَ أوامرها المُستبِّدِة، وتَخضعَ لشطحاتها، وتَتلمسَ فوران وقشعريرة خِلجانها المتوثبة للانطلاق لمرافئ الأحلام؛ للخلاص؛ للجنون؛ فلترقص، ولتضحك، ولتصرخ، ولتمارسْ بعضاً من المُجون.. لايهم، المهم أن تَتقوّى على آلامها، وتكسرَ عُنفوان أحزانها، لتُعاودَ هَدهَدة رُوحِها المُتعَبة. انتفضتْ ترقصُ على أنغام لحنٍ تعشقُه، فالموسيقى تفتح باباً من أبواب البهجة والزهو، على الأقل لن تكِيد لك، ولن تغدُر بك، والأهم لن تُنافقك أو تُهينك، بل تساعدك دون مقابل، قَرَرَتْ ألا تَدَع نفسها مربوطة بإكسير الذاكِرة المؤلمة، وأن تطلقَ النار على رأس أحزانها، وأن تخْلقَ لنفسها ذاكرة جديدة، ولْتستدعْ أحلامها الجميلة، وخيالاتها، حتى تلك التي لم تتحقق بعد ووقر في روعها -يوماً ما- أنها ستحققها طالما صدرها مازال يمتلِئ بهواء الحياة، فالأمل حتماً سيرافقها… بشهيةٍ بحثت عما تمنّتْه يوماً: حبيباً؛ صديقاً؛ كتاباً؛ طعاماً؛ نجاحاً؛ ملبساً؛ مقطوعة موسيقية، كل ما تسلل بين جلدها وروحها عشقته وحلمت به؛ ولو مذ أمد، فما نشتهيه وحده لا يشيخ ولا يبلى أبداً، كالأساطير التي تعيش دوماً صباها مهما مرت الحِقب. تَذَكَرَتْ الرائعين الذين مَروا بحياتها، وبنظرةِ عَيْنٍ ناداهم قلبها؛ أَتَوا في أروع لحظاتِها؛ تلاقتْ الأيدي؛ تهامستْ؛ اعترفتْ بالحنين دون خجل؛ عانقوا روحها -رغم أنها أخبرتهم أنها تودُّ أن تبقى وحدها- فلم يصدقوها؛ وتسللوا بين خلاياها، حينئذ فتحت صندوقها، ونَثَرَت ْعِطرَها الأثير ليضوع في حنايا الغرفة؛ استعارتْ تهويمة الصوفية، دارتْ حول نفسها فدار معها الكون ودوداً مِطْواعاً مُستأنِسا بها، أطلقتْ روحَها في الفضاء كفرشاةٍ تلوِّن الفراغَ؛ فاستحال لفراديسَ غَنّاء، تتواثَبُها أحلامٌ وذكرياتٌ دفينةٍ؛ دفيئةٍ؛ تَوّاقة للقيا، وألقت على بعض حزنٍ وأسى -يرفضان الرحيل- غِلالةً مِن ضبابٍ شَفيف. تَماوَجَت أنفاسها العَطِرة شهيقاً وزفيراً، صرختْ بصوتٍ عالٍ؛ غنّتْ بطبقة صوتية أعلى؛ بكامل عُنفوانها أجهشتْ بالبكاء حَّد الارتياح والاكتفاء… لحظتها بَصُرَتْ وَمْضَ شُعاعٍ جَسورٍ مُقتحِم مُقبِلٍ يُناوشُها من قريب، تتسَمّع خُطواته الفَرِحة، مُتَهلِلة؛ مُسْتبْشِرة؛ مُتضرِّعة؛ آتيةً تُهديها سعادةً إنسانية مُستَحقَة… حانَتْ منها التفاتةٌ مقصودة لمِرْآتها؛ أشرقتْ رُوحُها مُرَصّعَةً بقطْرات الندى، فارَقَتْها سَحابة الكآبة؛ تلك التي تَغَشَتْها منذ قليل، عادت للوجه نضارته… جددت عِشقَها للحياة؛ لذاتِها؛ لخساراتها؛ لملامحها؛ تهللت قسماتها من فرط السعادة، نزعتْ ستائر الغرفة المُسدَلة، فتحت مغاليق الشُرفات لأحلامها الوردية، تتسمع نداء ليلٍ باردٍ حانٍ يكسوه ماء الشتاء، ينثر شذراته على صحراء قلبها، تركَتْ ذُروف المطر تنثالُ فوق عينيها؛ فوحدها قطراته تغسلنا وتطهرنا من أدْرانِنا، ظلَّلتها ابتسامةٌ رَؤوم، لم تنس أن تكتبَ في دفاتر المطر أسماء من انتزعتهم من حياتها وذكرياتها الحزينة كي تَسّاقط معها نحو الأسفل؛ تحت قدميها الحافيتين. آبَ بريقُ العينين يتبختر رِقراقاً، تذكَرتْ كل الأحبة، تأنّقتْ بنِثار الذكريات العذبة، أرسلتْ نسيمَ الوجد يستدعيهم؛ فلغدر المسافات صهيل، تهيأتْ روحُها لتكون بحضرتهم بكامل بهائها وأَلَقِها… كتبت بماء الياسمين اعترافاً: “خِنجر الشَوق لن يخرج من الخاصِرة أبداً”.. لم تعدْ تذْكرُ قسوة غيابهم، طفِقت تُرَتِلُ سِرَها “مهما سحق التنائي ورودي فسيبقى عِطْرُها”، شَرَعَتْ تُلَملِم خصلات شَعرها الهاربة، أخذتْ تُعيد ترتيب غرفتها؛ الآن رويداً رويداً تعود لواقِعها وهي أكثر قُدرة على مُواصلة الحياة وتَقَبُّلِ أقدارِها.

اترك تعليقاً