موسوعة كتاب القصة العرب / الاديبه : سليمة محمودي

سليمة محمودي
تاريخ الميلاد:13/2/1974
العنوان:الجزائر ولاية المسيلة

أستاذة إجتماعيات
ليسانس تاريخ
عضوة وإدارية بشاطئ الروح
مسؤولة نادي الهايكو بنادي الأصدقاء
مسؤولة مسابقة الومضه بحروف بعطر الأمس
…………………………………..
رحيل
عصام ابن العشرين ربيعا، قمة الأخلاق والأدب، بشوش ، لا تراه إلا باسما في وجه الآخرين ، لا يُفَوت صلاة الجماعة لأي ظرف، يعرفه الكبير قبل الصغير ، يدرس لنيل شهادة البكالوريا وهو الابن الوحيد لأسرته بعد سفر أخيه الأكبر للخارج ووفاة الآخر في حادث مرور لذلك يعتبر رجل البيت وسند والده الشيخ،كان محبوبا من الجميع خاصة أصدقاءه بالحي؛نبيل ، علاء، يوسف، مجموعة متلازمة لا يأتي أحد إلا ومعه البقية بحكم الجيرة وتواجدهم مع بعضهم منذ كانوا صغارا… وكالعادة؛ ليلة الجمعة ،إجتموا عند بيت نبيل ، ضحكاتهم تملأ الحي لكن عصام لم يكن كما عهده الأصدقاء وكأنه يرغم نفسه على على الكلام والابتسامة وافترقوا على أمل اللقاء في اليوم التالي كعادتهم… عصام :أصدقائي أستسمحكم إن أخطأت بحقكم وإن احتجتم لأي شيئ فأنا بالخدمة… ضحكوا من كلماته الغريبة التي لم يتعودوا عليها … الساعة الخامسة إلا ربع صباحا الكل نيام عدا من ذهب لصلاة الفجر، إستيقظ الحي على صراخ رجل :ياولي ياويلي قتلوني ..قتلوني …ياارب يارب.. وبعده عويل،لم يفهم الجيران سبب ولا مصدر كل ذلك خاصة مع نباح الكلاب فاعتقدوا أن طفلا ما قد عضّه فأسرعوا باتجاهه، لكن لاشيء … استفاق نبيل على ذلك الصراخ ليهم بالخروج لكن الهاتف يرن ألو ، أنا يوسف:عصام قتل!!؟ لم يفهم شيئ غير أنه هرول حافي القدمين إلى العمارة المقابلة ليجد أصدقاءه وبعض الجيران وجثة صديقه مرمية بالأرض وبقعة دم تحتها وبدون قميص!!!!! همٌ أحدهم وستره حتى تأتي الشرطة لتحقق في القضية ! ..الكل في دهشة ورعب مما حدث خاصة وأن الحي هادئ ولم يسبق وأن حدث مثل هذا الأمر.. بضع دقائق وتصل الشرطة والمحققين وتم التحفظ على الجثة لبعض الوقت حتى تستكمل التحقيقات، ليأخذها والده إلى مسقط رأسه حيث لحق بهم كل الجيران في مأتم مهيب كله خشوع وقلق وخوف مما حدث وقد يحدث، وضع الأصدقاء جثة صديقهم بمثواه الأخير وهم بين باكٍ ومغمى عليه ، وصلوا عليه ودعوا له بأن يكون مثواه الجنة ويعودوا أدراجهم بخطى متثاقلة. بعد فترة نشر الأمن عيونه بالحي لمعرفة أي شيئ حول الجريمة النكراء وسط مدينة محافظة … بدأت القصص الاستنتاجات حول الجريمة، فالجثة كانت عند مدخل العمارة، لا دماء غير تلك البقعة، بلا حذاء ولا قميص، ومن مدخل العمارة وبقع دم على السلم والحائط لتجتمع في بركة دماء عند بيت أهله وآثار أصابع مشوهة بالدماء على الباب ، ومع تتبع تلك البركة وجدوها حتى بالسطح حيث كان الحذاء والقميص وكله دم ، وحتى الحائط المطل على مدخل العمارة به دماء، هنا بدأت القصص تحاك ولسان حال الجميع يقول:هو شاب صالح خرج لصلاة الفجر من قتله؟وكيف؟وهل قتل عند المدخل أم بالسطح وتم إلقاء جثته؟وبركة الدم قرب بابه ؟ هل لحق به مجموعة من الأشرار لماذا لم يصرخ هل هو ممن يثق به وغدر به؟ أيام والهدوء مخيم لا أحد يخرج ولا أحد يمر حتى بتلك العمارة التي شهدت مقتل زهرة فواحة بالأخلاق الكريمة!!! هاقد بدأ التحقيق مع الأصدقاء وأولهم نبيل باعتباره آخر شخص ودّعه . المحقق:اسمك، لقبك، سنك ، سكنك؟ كيف كانت علاقتك بصديقك ؟ نبيل:نبيل محمد تسعة عشرة سنة أسكن بحي مائتان مسكن علاقتي بعصام طيبة جداا المحقق: صديقك انتحر؟ نبيل: لا مستحيل يفعل ذلك ! المحقق:إذًا أنت القاتل ؟ نبيل:كيف أفعل ذلك وهو أخي ؟ تواصل التحقيق معه لأكثر من تسع ساعات متواصلة وفي كل مرة تتغير طريقة طرح الأسئلة وبوجوه مختلفة حتى كاد يفقد أعصابه ويقول نعم أنا فعلت حتى يتوقف معه التحقيق، وأشيع بالحي أنه الفاعل حتى أفرج عنه… وتم استدعاء باقي الأصدقاء كل على حدة وطرحت عليهم نفس الأسئلةواتهام صريح بالقتل بعد استبعاد أصدقائه موضوع الإنتحار. الكل يترقب نتيجة التحقيقات ..هل أحد من أصدقائه الفاعل؟ أم جارته البغية التي رآها ؟أيام قليلة وترحل عائلة عصام وتعلق لافتة لبيع البيت. أجواء مضطربة، قلوب وجلة،تمر الأيام ولا جديد غير الترقب وتطوى القضية قيد الكتمان ويرحل عصام ومعه سر مقتله والحيثيات الجريمة الشنعاء التي ارتكبت بحقه
. السطر الأخير/مي زيادة /الجزائر
…………………………………………
المتاعيس
قرية هادئة، تضم أُسَراً من كل صوب، هاربة من حروب لا متناهية ، أكلت الأخضر واليابس، هجّرت الحيوان قبل الإنسان، فلا ترى إلا وأسراب طيور مهاجرة مثقلة بالأسى والأحزان ….. قرية المتاعيس هكذا سماها أهلها، فكل فرد فيها إلا وبه نزيف جراح لا تنتهي مزقت القلب وأفقدت العقل توازنه ،كل واحد يعاني الفقد ؛ الابن، الأخ، الزوج…أو فاقد الكل… في الجهة الشرقية من القرية تقيم الأرملة فاطمة بنت الثلاثين ربيعا صاحبة العيون العسلية المائلة المكبلة بالأحزان ، معها ولديها التوأم أحمد وحسام ابنا الخمس سنوات ورغم صغر سنهما إلا أن ملامحهما توحي بالبؤس والسخط على هذا الواقع الذي يعيشانه والحرب التي منعتهم والدهم من أشهر.. صباح القرية لا يختلف عن ليلها تسبح في الكآبة ودخان الجمر لتجهيز أكل تعافه النفس وتشمئز منه… ومع ذلك يلتف حوله الصبية ويلعقون بأصابعهم المتسخة بقايا الحساء الذي مزج بلعابهم .. اليوم الطقس حار كعادته وكأن الطبيعة إتفقت ضدهم لتسلط عليهم الشمس فتشعل لهيب مشاعر الغبن حتى تكتمل صورة التعاسة … مساء هبت ريح صرصر اقتلعت الجرار المنصوبة ، الكل هرول لكوخ يأويه .. فاطمة هي الأخرى حملت ولديها رغم ثقل بطنها وأسرعت بهما إلى كوخها كقطة تحمل صغارها حين خطر يداهمهم، بينما هي جالسة بدأها المخاض ، كتمته ، عضت على قطعة قماش حتى لا تخيف ولديها،إستجدت الله ،سال نهر العبرات ، طغى لون الزعفران على محياها ، هنا جعلت ستارا بينها وبين ولديها وأخبرتهما ألا يقلقا فهناك ضيف قادم يؤنسهما، زاد ألم المخاض ولم تعد تقدر على كتمان صراخها رغم كل محاولاتها الفاشلة … لتصرخ وتصرخ وتصرخ…. فيتزامن ذلك مع صرخة حانية،هي أسماء صاحبة العيون العجيبة الغريبة ؛ برتقالية اللون… بدأت تكبر والكل يحبها لتفردها بذاك اللون حتى أطلقوا عليها اسم برتقالة فكانت غاية في الجمال والرقة والحنان… في الخامسة من العمر خرج أخوها أحمد للصيد مع أصدقائه -وقد حدث هدوء نسبي بالمنطقة- واذا به يخطئ ويدخل منطقة ملغمة وأصيبت رجله ولم يجد أصدقاؤه أي وسيلة لمساعدته وقد صعقوا من شدة الخوف عليه،فجأة وبدون أي سابق يلمحون صديقهم يمشي وكأن أحدا يقوده و يتكئ عليه ويتحدث معه حتى وصل إليهم، إستغربوا المشهد فلا أحد معه ،ليخبرهم أنها أخته أسماء من كانت تساعده ، سكت من معه ولم يعلقوا شاكرين المولى على خروجه حيا من تلك المحنة…. عاد الابن وقص ماحدث له وشهد من معه بما شاهدوا لكن لم يصدقهم أحد إذ كيف يحدث ذلك وهي معهم ووسطهم، أما أسماء فقد إكتفت بابتسامة خفيفة ….. تمر الأيام ويحاول حسام الخروج من القرية فتنادي عليه أسماء وتمنعه لأن أمرا سيئا سيصيبه ،لكنه لم يكترث بل ضحك معهاوقبلها واعدا إياها بهدية جميلة. أثناء الطريق هاجمه جماعة من قطاع الطرق ، دافع عن نفسه بشراسة لكن العدد كان أكبر وهو لا حول ولا قوة له ، قامت برتقالة كما يسميها أهل القريةوأخبرت اخوتها عن مكانه فيأتون به مخضب بالدماء … في ليلة مقمرة يصرخ شاب بأنه رأى برتقالة تطير بالهواء كحمامة بيضاء، لكن ولا أحد صدّقه واعتبروه ضرب من خيال.. أصبحت أسماء في الثانية عشرة من عمرها تجتمع مع صحيباتها وكانت أجملهن وفي خلوتهن تخبرهن عن ما تخفيه لهن الأيام بمجرد النظر إلى عيني الواحدة منهن .. بعد فترة بدأ أمرها ينتشر وسط القرية وحديث العام والخاص حول قدراتها الخارقة بين الحقيقة و الخيال ونسج العديد من القصص حولها … انقسم القرويون بين مؤيد ومعارض لها ومتطير منها رغم مسالمتها ، وحبها للخير ، لكن ما فائدة ذلك وهناك من يرى في تواجدها بينهم شر لا بد من القضاء عليه. إشتعلت نيران الفتنة وكادت أن تعصف بكل من في القرية ، وتتحول إلى أنهار من الدماء لولا رزانة أسماء التي طلبت من والدتها الرحيل إلى مكان آخر ، ابتسمت الأم وأشارت أن ابنتها قد ورثت عن جدها الصالح صاحب الكرامات لون عيونها البرتقالية وذكرت اسمه الذي لم يكن خفيا على شيوخ القرية وكبارها. في تلك الأثناء رفعت أسماء رأسها واغروروت عيناها ثم نظرت لمن حولها وقد توهج اللون الأحمر وقالت لهم: الدنيا بين مقيم وساكن فاحسنوا مقامكم ، الطريق طويل فأكثروا لها الزاد، والقريب بعيد والبعيد قريب، وما تراه القلوب لا تراه العيون فأحسنوا الظن بمن حولكم.. وتركت القرية بلا رجعة
السطر الأخير / الجزائر

اترك تعليقاً