فتحي البريشي وعبير الذكرياتى .. بقلم / فرج مجاهد

 

فتحي البريشي وعبير الذكرياتى .. بقلم / فرج مجاهد

 

                                    فرج مجاهد عبد الوهاب

في مجال الإبداع الأدبي أجاد الراحل فتحي البريشي كتابة شعر العامية، وكتابة المسرح الشعري والمسرح النثري، وفي المجال النقابي شارك البريشي في مجلس إدارة نقابة المعلمين، وفي النقابة الفرعية لاتحاد كتاب مصر عن الدقهلية ودمياط لعدة دورات وظل كذلك لتميزه في الأداء النقابي حتي الرمق الأخير من عمره كما نعرف أنه في ساعاته الأخيرة بمقر النقابة الفرعية بالمنصورة ألقى قصيدة من قصائده التي لاقت استحسان الجمهور وصفق له الجميع على النص وعلى الالقاء ولكن بعد الإلقاء جلس على مقعده وأحس ببعض الألم المفاجئ وكان هذا نذير النهاية، رحمة الله عليه.

والكاتب المسرحي فتحي البريشي ابن البيئة التي خرج منها وهي قرية “كفر الأعجر”، أو “منشأة السلام” فيما بعد، فقد كتب عنها مسرحية (الحريقة) عن الأحداث التي مرت بها في السبعينيات وتحديدا في يوم 18 يونيو 1975 م ويقول في الإهداء: (إلى صديق عمري وشاهد كل خطواتي في الشعر والمسرح، وأول من تحمس لعرض هذه المسرحية وقام ببطولتها الأستاذ/ عماد نصحي عطوة، والفنان المخرج محمود الدسوقي الشربيني نجم مسرح المنصورة القومي، وإلى قرية لا يستطيع تاريخ العالم بأحداثه السريعة وكل تطوراته وتطاولاته أن ينسيها أسبوعا من تاريخها قرية كفر الأعجر مركز المنصورة) والمسرحية، أو كما يقول عنها، دراما شعرية، خرجت في طبعتها الأولى عام 2002 وفي الطبعة الثانية عام 2021 وعندما سألته: لماذا تعيد طباعتها الآن، قال لي: أولا لأنها لم تأخذ حقها – كما يرى- في الكتابة عنها ، ثانيا أريد أن أتقدم ببعض الأعمال لمنحة التفرغ لكتابة مسرحية جديدة، وهي تستحق إعادة الطبع.

وفتحي البريشي يجيد اختيار شخصياته اختيارا دقيقا ومعبرا في المسرحية التي تعبر عن وجهة نظره ويخرج هذا من خلال لغة شعرية سهلة وبسيطة وتجيد رسم الأحداث ويلجأ فيه أحيانا إلى الغنائية.

وأما في شعر العامية وهو الأقرب إلى وعي الجماعة الشعبية، فهو أكثر ارتباطا بالمجتمع وتجلياته في الممارسة اليومية الحياتية، وفتحي يتوجه إلى المجتمع، ولا ينغمس في الذاتية مثل كثير من الشعراء، وفتحي عندما يحلق في آفاق الشعر فإنه ينطلق من مجتمعه ولغة أهله ويعيد صياغتها بشكل فني عميق الأثر ويدخل بسهولة في وجدان المتلقي.

لا أذكر في أي عام من سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، عرفت الشاعر الاستثنائي فتحي البريشي (5/10/1960- 26/9/2022) فقد قابلته لأول مرة في حفل مسابقة “رابطة الأدباء والشعراء الشبان” بكفر الزيات التي كان ينظمها الأديب الكبير صبري عبد الله قنديل رئيس الرابطة وكان الحفل في قاعة الاحتفالات بمجلس مدينة كفر الزيات، وكان ديوان فتحي البريشي الفائز هو “الكلمة والكلاب” وهو ديوان مطبوع بطريقة الماستر، التي كانت منتشرة في هذا الوقت، من القطع الصغير وكانت الحفل تضارع الحفلات الكبرى التي تقام في القاهرة وربما تتفوق عليها في الإعداد والتنظيم الجيد فقد لاحظت أيضا أن الفائزين من مختلف محافظات مصر، وليس من أبناء الغربية فقط فقد كان صيت الرابطة يملأ مصر كلها وكان كثير من الأدباء يتمنى الانضمام لها والنشر في مجلتها “نبضات”.

بعد ذلك عرفت الاسم وتابعته و زاملته بعد سنوات في نادي أدب المنصورة، قبل انتشار أندية الأدب في المدن، وكان يذهب لندوات القاهرة في هذا الوقت مثل ندوة جريدة الجمهورية التي كان يعقدها الدكتور فتحي عبد الفتاح، والأمسيات الشعرية هنا وهناك، ولاحظت اهتمامه بكثير من التفاصيل سواء في الأدب أو في الحياة ولكن بعفوية وتلقائية ومرح فطوال مسيرتي معه حتى رحيله الصادم وموته الدرامي لا أذكر أن اختلفنا أو تصادمنا  سواء في نادي الأدب أو في عضوية النقابة الفرعية لاتحاد كتاب مصر بالمنصورة، حيث زاملته لعدة دورات، بل كانت صحبته رائقة تفيض مرحا وابتساماته وقفشاته تملأ أي مكان يتواجد فيه، فقد كانت معارف فتحي البريشي لا تتوقف عند الأدباء والشعراء هنا وهناك بل كان يعرف العديد من العائلات في مختلف المحافظات بل وفي قرى مصر، وكان دائما ما يتعارف على أحد من ركاب القطار معنا فيسأله عن بلده وعندما ينطق الرجل باسم البلد ينطلق فتحي يحدثه عن عائلة فلان أو ذكرياته مع ابن البلد فلان أو أنه ذهب للصيد هناك وقابل فلان، فقد كانت أهم هواياته صيد السمك ولديه موتوسيكل يذهب به حيث يشاء ويساعده في التجوال هنا وهناك.

في عام 2014 كانت ندوة رتبنا لها في النقابة الفرعية لاتحاد الكتاب بالمنصورة، للأستاذ الدكتور علي الغريب الشناوي رئيس قسم اللغة العربية بكلية آداب المنصورة ضمن برنامج النشاط للنقابة الفرعية بالمنصورة وكانت الشاعرة فاطمة الزهراء فلا، رحمة الله عليها، هي رئيس الفرع، وبعد انتهاء الندوة جلسنا نتحدث في عدة قضايا حول الأدب والتعليم وغيرهما من قضايا الحياة، فإذا بالدكتور علي يخبرنا أنه قد تم فتح الباب لاستقبال دفعة من طلاب التعليم المفتوح بالكلية، وشجعنا على التقديم فتحمس فتحي لذلك وسألني هل تنوي أن تتقدم بأوراقك ؟

قلت له سأفكر في الأمر. وعند الرجوع ركبت معه على الموتوسيكل الخاص به ليوصلني لموقف السيارات الخاص بمدينتي شربين ولكنه في وسط الطريق وعند منتصف الطريق وتحديدا عند جامع النصر الكبير قرب مبنى محافظة الدقهلية أوقف الموتوسيكل في حديقة الجزيرة الوسطى بجوار المسجد وطلب منى الجلوس لخمس دقائق على أحد المقاعد الرخامية وبالفعل جلسنا، وراح يشجعني على أن أفعل مثله وأتقدم لنظام التعليم المفتوح وخاصة أنني لن أبذل أي جهد حيث أنني رجل مثقف ولي كتاباتي ولي أعمال منشورة هنا وهناك ومواد الأدب والبلاغة وغيرها مجرد تحصيل حاصل بالنسبة لي كما أننا نعرف أكثر الدكاترة في الكلية بحكم أننا نستضيفهم في ندوات الاتحاد ونقابل بعضهم في قصر الثقافة وهكذا..

وظل يتحدث ويملأ دماغي بالفكرة حيث أننا لن نستفيد من الليسانس ماديا فعندما نحصل عليه نكون شارفنا على التقاعد من الخدمة وربما لا نحصل على أية علاوة، ناهيك عن آلاف الجنيهات التي سنتكبدها في المصاريف والمواصلات وغيرها، ثم إن الأوراق المطلوبة للتقدم سهلة، ويمكن استخراجها بسهولة، ثم أننا سنكون فريق ثقافي وسط الدفعة؛ أنا وأنت والشاعرة فاطمة الزهراء.

وظل قرابة الساعة يوضح ويشرح لي كل صغيرة وكبيرة حتى أقنعني وتقدمت بالفعل، بعد أن استشرت بعض من أثق فيهم من الأصدقاء خلال الأيام التالية، لقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنصورة، وسنوات الدراسة تحتاج لحديث آخر منفرد.

الحديث عن فتحي البريشي وسنواتي معه ومواقفه التي شاركتها وشاهدتها ربما يحتاج إلى كتاب مستقل فهي كثيرة، وربما تسعفنا الأيام بذلك إن أحيانا الله.

رحمة الله عليك يا رفيق الرحلة.