اسماء تجلب النحس لآصحابه: سأل هارون الرشيد أخاه إبراهيم بن المهدي: ما أحسن الأسماء عندك؟
قال: محمد- إسم رسول الله – ، وإسمك هارون- اسم أمير المؤمنين –
فسأل هارون الرشيد: وأقبح الأسماء؟
قال: إبراهيم.
فزجره هارون الرشيد قائلا: ويحك ! إنه إسم إبراهيم خليل الرحمن؟
قال: بشؤم هذا الاسم لقي من نمرود ما لقي، وطرح في النار.
قال الرشيد: فإبراهيم إبن النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال إبراهيم بن المهدي: لا جرم! إنه لم يعمر من أجله.
قال الرشيد: فإبراهيم الإمام؟
فقال: بشؤم إسمه قتله مروان في حرّان، وأزيدك يا أمير المؤمنين، إبراهيم بن الوليد، خُلع، وإبراهيم بن عبد الله بن حسن، قُتل؛ وعمه إبراهيم بن حسن، سقط عليه السجن فمات؛ وما رأيت والله أحدا بهذا الإسم إلا قُتل أو نُكب، أو رأيتهُ مضروباً أو مقذوفا أو مظلوما. قرأتُ هذه الكلمات منذ سنوات طويلة وكان مديرنا العام – في الشركة التي أعمل بها – إسمه إبراهيم، وكان يحب المزاح معي، فحكيت له عما قرأت، فوافقني على قولي وحكى لي أشياء حدثت في حياته تؤكد قول إبراهيم بن المهدي، وشاعت هذه الحكاية بين زملائي في الإدارة، فكانوا يأتون إليْ ليحكوا لي عما حدث لرجال يحملون إسم إبراهيم، فنجيب الريحاني في فيلم أحمر شفايف كان إسمه إبراهيم وبشؤم إسمه؛ طُرد من وظيفته، وترك بيت الزوجية، ودار في الشوارع يقتات من محلات الفكهانية دون أن يدفع، وعبد الحليم حافظ في فيلم معبودة الجماهير كان إسمه إبراهيم، وبسبب إسمه؛ حرم من حبيبته ،وعُذب وأهين.
وإستعرضنا كل الذين يحملون إسم إبراهيم في الشركة، فوجدنا فيهم ما يؤكد قول إبراهيم بن المهدي. فصديقي في الشركة إسمه إبراهيم، يقول عن نفسه: إنه خير مثال لمقولة إبراهيم بن المهدي، فقد كان شقيقه الأكبر صديقا لخال جمال عبد الناصر وقت حكمه، فطلب منه أن يتوسط لعمل شقيقه إبراهيم في بنك كبير من بنوك الإسكندرية، فرحب الرجل وطلب منه مسوغات التعيين، لكنه مات والأوراق في سترته، وتم تعيين إبراهيم في شركتنا مع زميلة له في يوم واحد، لكن موظف التوظف، إحتسب تعيين الزميلة في يوم الخميس، وإحتسب تعيين إبراهيم في يوم السبت، فحصلت هي على مبلغ أكبر منه، فقد كانت الشركة تصرف بونس – مكافأة تدفع للعاملين كل ثلاثة شهور – وتم إضافتها إلى المرتب الشهري للعاملين المعينين حتى يوم الخميس. وكان الفرق بين مرتبها ومرتبه كبيرا.
ويقول لي: إنه وقف في طابور الخبز لأكثر من ساعتين، وعندما وصل للبائع، قال له: العيش خلص. وعندما تزوج فتاة جميلة، إكتشف بعد ثلاثة شهور من الزواج؛ إنها مجنونة ولا تصلح للزواج. وقد كانت الشركة تسلمنا علب مسلي من النوع الجيد في المواسم الإسلامية، وفوجئ زميلي بعلبته فاضية وملحومة من الناحيتين، كما إنه تم القبض عليه في ليلة يوم خميس من قبل مباحث أمن الدولة، وظل محبوساً عندهم لمدة أسبوع، لأن جهاز الكمبيوتر، سجل رقم تليفون بيته، بدلا من أن يسجل نمرة تليفون أم إرهابي مصري كبير يعيش في بريطانيا. مع أن صديقي هذا ليست له أي صلة بهذه الأنشطة، وماشي جنب الحيط – كما يقولون – ولو تركت نفسي لذكر نوادر صديقي في سوء حظه لن أنتهي. بالطبع هذه الحكايات ليس لها قانون علمي يؤكدها، فمن الممكن أن نجد إبراهيم سعيدا في حياته، وآخر شقي. ومن الممكن أن نجد (عليا) طيبا وآخر اسمه (علي ) وهو نصاب وسارق. لكن هذه الحكاية جعلتني أتمعن في الأسماء. وخصصت ملفاً في الكمبيوتر لذكر أسماء الأشخاص العجيبة، وكلما سمعت إسما غريباً أسرعت وسجلته في مكانه، وبحثت عن سبب تسميته.
البحث عن معنى الأسماء: كنتُ معجبا في صغري بمحمود المليجي – الممثل المشهور – وسألت نفسي من أين جاء إسم المليجي؟ .وراعني عندما كبرت اسم البرادعي، وعندما قرأت كتاب ” مطلع الإيناس في رحلة العباس ” لمؤلفه عبد المسيح انطاكي بك؛ عن رحلة الخديو عباس حلمي الثاني لقرى ومدن مصر بمناسبة زيارته للأرضي المقدسة، وجدته قد زار بلدة برادعه المنسوب إليها كل الذين يحملون اسم البرادعي. وقرية مليج المنسوب إليها محمود المليجي وهي تابعة لمحافظة المنوفية. وهناك أسماء يتقاطع معناها مع شكل صاحبها، فقد عمل في دار الكتب شاب اسمه منير، كان غاية في الدمامة والقبح، فكلما رآه الشاعر حافظ إبراهيم عابثه بفكاهته اللاذعة قائلا: إرتكب والدك جريمتين، الأولى إنه لم يدفع مهراً كبيرًا ليتزوج فتاة جميلة تنجب له شاباً منيرا بحق، والثانية: إنه زور حقيقتك على لسان الناس فسماك منيراً، وكان الأليق أن يسميك جمعة أو خميس. وأرجع إلى ملف الأسماء الغريبة عندي فأجد:
الحسك : وهو اسم لحشائش تنمو وحدها، دون أن يزرعها أحد. كنا نقول عنها تنمو شيطانيا، فقالوا إن هذا حرام، قولوا تنمو ربانيا، لأن ربنا هو الذي ينميها ويكبرها وليس الشيطان. المهم أنني كنت أعرف واحدا اسمه الحسك، كان صعيديا وقصيرا وضامرا ولا أعرف للآن إن كان الحسك اسمه الحقيقي أو أنه اسم شهرة، ولا أعرف لماذا سمي بهذا الاسم الغريب.
كان الحسك يعمل مع عمه في فرش فاكهة في محطة الرمل، خلف سوق المسلة المشهور هناك، والده وعمه كانا شريكين في تجارة الفاكهة، وبعد أن مات والده انفرد عمه بملكية الفرش، وإن كان عاجب الحسك هذا فليعمل بالأجرة لديه مثل أي أجير، وعندما طالبه الحسك بحقه؛ طرده، فعمل مساعدا لفكهاني بجوار سينما راديو.
السيد شمعة: أعرفه قبل أن يكتسب اسم شمعة هذا، كان يعمل مساعد زبال لدي أم الشحات وهى امرأة متزوجة من رجل أصغر من إبنها الشحات. كان السيد يشرف على العمل في قسم الزبالة الذي تمتلكه، وفي مساء الشتاء يشعل الخشب في ماجور كبير ليتدفأ وكنا ونحن صغار نرمي البمب في ماجوره، فتنفجر في وجهه ويصنع دويا عاليا. ظل السيد بلا زوجة، وفجأة قرر أن يتزوج أرملة – شقيقة لمكوجي يسكن كوخا فوق سطح بيت جدتي. زوجة ذلك المكوجي ذات جسد ممشوق، ولا يعيبها إلا حول واضح في عينيها، وكانت تزيد من دخل أسرتها باستغلال جسدها الرائع، وذات ليلة جاء رجال كثيرون ومعهم نساء، فقد أقامت المرأة حفلا ربما بمناسبة عيد ميلاد ابنها، أو مناسبة أخرى لا أذكرها الآن. المهم أن الرجال والنساء لم يجدوا مكانا لممارسة الحب في ذلك الكوخ الصغير، فكانوا يهبطون إلى شقة بلا باب، حجراتها أغلقها شقيق جدتي إلى أن يحين موعد زفافه الذي طال. وكان سيد يحمل شمعة كبيرة لينير للعشاق حتي يجدن ممارسة الحب. وإكتشف شقيق جدتي هذا، فضرب سيد ومن معه من رجال ونساء – بمعاونة أهل الحارة – وطردوهم من البيت. ومن يومها أطلقوا عليه اسم السيد شمعة.
محمد الشريف: إسمه الحقيقي محمد عبد الباسط، وليس في عائلتهم من يسمى الشريف، لكنه اكتسب هذا الاسم بجهده وعرقه، فقد كان يدخل البيوت مساءًا ويخدر أهلها ويسرقهم، وكانت صورته معلقة في محطة سكك حديد الإسكندرية بمحطة مصر، بجوار شباك قطع التذاكر في أوضاع مختلفة، كان يحكي مغامراته في السرقة، كيف سرق حلة بلحمتها، وأعطاها لأخته الكبيرة، على أن تأكل ما فيها هي وزوجها وأولادها؛ ثم تغسل الحلة ليذهب لبيعها. فأطلق عليه أهل الحي اسم الشريف سخرية من أفعاله في السرقة، وقد أعجبه اللقب الجديد، وكان يقف في حفلات الزواج، وينقط على فرقة العوالم مناديا: محمد الشريف بيمسي على الفرح ثم يغني أغنية من أغنيات عبد الحليم حافظ، أو محرم فؤاد الذي ظهر في هذه الأيام. لم يكن صوته يصلح للغناء، وكان لا يعرف طريقة اللحن، لكنه يعتقد إنه مطرب أفضل من كل المشهورين الذين يغنون في الإذاعة.
دعباس: هو من أسماء الكلب وهو كنية لساعى كان يعمل في شركتنا وكان أحول ويرتدى ملابس صارخة الألوان ومحزقة، ويذهب إلى الكازينوهات الليلية ليرقص فيها.
الكحول: هو الوسيط في الصفقات المشبوهة مثل الأرض الزراعية التي ستتحول إلى أرض بناء، أو العمارات التي تخالف قوانين البناء، يبيع صاحب الأرض أو العمارة له شكليا وعند وصول الخبر إلى البوليس، يتم القبض عليه، ويتحمل العناء في قسم الشرطة والنيابة. ثم يدفع صاحب الأرض والمشترى الحقيقي الغرامة المستحقة عليه، زائد أجرته المتفق عليها.
ابو حليمة أمه إسمها حليمة، وهو آخر أولادها، فسمته بهذا الاسم. وكنت أسمعها تنادي عليه من شرفة بيتها وهو شاب: يا ولد يا أبو حليمة.
علي بالطو غلب عليه اسم بالطو لأنه كان يسافر إلى ليبيا كثيرا ويشتري صفقات معاطف، ويبيعها، ويصر على لبس معطف واسع لا يليق عليه في معظم الأوقات، وصار هذا لقب الأسرة كلها. هو وأخوته وأبناؤه.
أحمد عيش:رجل كان يكثر من أكل الخبز الحاف في الشارع أمام الناس.
بعليظة: اسم رجل يبيع خمرا سيئا رخيصا في حي كرموز.
إبراهيم كمونية: سائق في الشركة التي كنت أعمل بها، ممتلئ وبكرش كبير، وصوته أجش، يفطر كرشة وكمونية وأشياء من هذا القبيل؛ مما يؤثر عليه في قيادة السيارات. ركبت معه ذات مرة، وكان يجلس بجواره ساعي مسئول عن توريد المستندات إلى البنك، لاحظت أن الساعي يدق على صاج العربة من وقت لآخر، فقد كان كمونية ينام وهو سائق، ثم سار على البحر بالعرض، حينذاك نزلنا من السيارة وركبنا تاكسي.

مصطفي نصر