في مواجهة العولة البغيضة التي تفرض قوانينها دون مراعاة لخصوصية المجتمعات وثقافتها، وفي عالم السوشيال ميديا بأنواعها حيث تشوه الحقائق وتعبر الأفكار المعبأة للاستهلاك سلفا لهدم المجتمعات وتأهيلها للتبعية وترويض مثفيها ومفكريها..في الأفكار العابرة ستجد من يستهزأ من أفكار طه حسين ويسخر من أديب نوبل نجيب محفوظ ويصف كتابته عجبا بالمتواضعة ومن يهدم مجد العقاد ومن يسيء إلى تراثنا ومن يفكك ثوابتنا.
وفي زمن التواصل المفتوح والهاتف المحمول والتواصل بين البشر من أقصى الكرة الأرضية إلى أدناها..ليس هناك حدود، المعرفة والأفكار صارت طائرة في الهواء تسقط على رؤوسنا من ناحية.
ونرى الأفكار وهي تنتقل بسرعة البرق وكل ثقافة تريد أن تفرض نفسها فوجدنا الحديث عن المساكنة بين الفتاة والفتى دون مراعاة لشرقيتنا وتراثنا وقيم الأسرة وحديث آخر عن التشوه الجنسي وأفكار المثلية تغزو مجتماعتنا العربية وهو حديث يبدو في الظاهر أنه عن الحريات بينما في الباطن يريدون الفوضى ويبطنون الشر لنا وهم يضربون قيمة الأسرة والترابط في مقتل.
وهم يروجون للالحاد والمثلية وهدم الأسرة بمقولات جاهزة عن الحرية والفرد والابداع..في هذا العالم وفي هذه اللحطة الزمنية الملتبسة، يجب التأكيد على هويتنا المصرية العربية وعن ثقافتنا الشرقية وعلى جذورنا التاريخية،يجب أن نخوض معركتنا للحفاظ على جوهرنا بينما يجلس على حدودنا عدو شرس يريد أن يغزونا بأفكاره قبل جيوشه ومدافعه وطائراته.
يروج لقبول الآخر وهو يستل السكين خلف ظهره لينقض علينا إذا غفلنا عنه للحظة واحدة، في هذا الزمن الذي انفتحت سماؤه فأصبحت ترمي بالغث والثمين معا، وعوالمه الخفية أكبر وأعمق من الظاهرة فالأنترنت الظاهر يخفي الدارك ويب المظلم حيث تجارة الجنس والمخدرات وجرائم القتل، من هنا يجب أن نقف لنحمي ثقافتنا ونحمي الجيل القادم من عبث العولمة بما تحمله من نور ونار معا..وهذا العبأ يقع على كاهل المثقفين والكتاب والفنانيين.
ويساعدهم على أداء هذا الدور وزارة الثقافة التي يحدونا الأمل الآن في أن ينبعث دورها من جديد بعد أن خيم الركود لسنوات طويلة عليها وعلى دورها، ظللنا سنوات بلا رؤية بلا أهداف كل مؤسسة أو هيئة داخل الوزارة تعمل بطريقة الجزر المنعزلة.
ليس هناك هارموني في الأداء..توصيات تصدر من لجان المجلس الأعلى للثقافة لكن لا تجد طريقها للتفعيل، وبين سلاسل للنشر في هيئة الكتاب تلغى واستقالات من هيئة تحرير السلاسل لعدم الجدية، إصدارات للهيئة مليئة بالأخطاء وإصدارات أخرى تفتقر للجودة سواء جودة الطباعة أو جودة الابداع..هيئة قصور الثقافة هي الأخرى عانت من بيرقراطية كادت تقضي على مسارحها والفاتورة الالكترونية التي أحدثت شللا ومقاطعة بعض الكتاب لأنشطة الهيئة ومؤتمر أدباء مصر الذي شاخ .
برلمان الأدباء والكتاب تسيطر عليه مفاهيم الشللية والتربيطات وباسم الديمقراطية كم ترتكب من جرائم تكريم من لا يستحق والاستهزاء بقامات إبداعية كبيرة مثل صنع الله إبراهيم الذي حصد اسمه ثلاث أصوات بالكاد من أعضاء أمانة المؤتمر لتكريمه فيرسب صنع الله إبراهيم وينجح كاتب أو شاعر متواضع لكنه يجيد حرفة التربيط الانتخابي فيعطى من لا يستحق.
وكم جريمة ترتكب باسم الديمقراطية وحرية واستقلالية الأمانة؟ وكيف تكون أمانة مستقلة ودعم المؤتمر كله من الهيئة العامة لقصور الثقافة وحتى بدلات الأعضاء وتكلفة إقامتهم من ميزانية الهيئة؟.
لكن مع وجود وزير مثل د. أحمد فؤاد هنو نرى الأمل يلوح في الأفق..تحركاته داخل الوزارة..التفاؤل والأمل يعود من جديد، تتحرك الأمور ببطء لكن إلى الأمام..تحركات الوزير بين المثقفين والفنانين كان يعني لنا أن هناك شيئا يلوح في الأفق..د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة يبدأ عمله بعقد اجتماع مع النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر شرفت بحضوره.
تعجت شخصيا من دعوته للقائنا، بعض الوزاراء السابقين كانوا يتجنبون لقاءنا ويتحاشون مقابلة المثقفين أو حتى الاستماع إلي نقابة الكتاب ربما لأن حراس المكتب الوزاري الرفيع كانوا يخيفون الجالس على مقعده بشارع شجرة الدر من هذه اللقاءات التي ربما لن يسمع فيها ما اعتادت أذناه على سماعه من الحمد والثناء.
والتقينا بالرجل بقاعة في المجلس الأعلى للثقافة وفتح أمامنا حوارا ديمقراطيا خالصا تحدثنا إليه عن رؤيتنا للثقافة المصرية وكيف تعود ريادتنا في المنطقة التي غبنا عنها لسنوات فأفاقت عواصم عربية من حولنا لتملأ الفراغ الذي تركناه لسنوات يسعدنا أن تعمل وتتقدم لكن لا يسعدنا أن نقف نحن تترنح محلك سك..كان لدى الدكتور أحمد هنو رؤيته لاستعادة الهوية والريادة، استمعنا إليها.
طالبته في الاجتماع أن يعيد جائزة كامل الكيلاني التي عقدت لمرة واحدة فوافق على الفور..كما طالبت بترتيب عودة معرض كتب الأطفال الذي لم يكن متجرا لبيع الكتب فقط بل كان مهرجانا لأنشطة الطفولة وفنون الطفل كافة من ورش أدبية وحكي وورش فنية وألعاب للأطفال وتجارب علمية واستكشافية اقترحت أن يقدم نموذجا جديدا يليق بعقول أطفالنا في هذا العصر.
مصر هي أول عاصمة تقيم معرضا لكتب الأطفال ثم تبعتها الشارقة بمهرجان الشارقة القرائي ثم أبو ظبي ثم السعودية وإذا كانت الريادة لنا فيجب أن تبقى.. كما وعد بمراجعة لوائح التفرغ ..وجدناه متحمسلا لاستعادة دور وزارة الثقافة المصرية وعودة المثقفين والكتاب إلى بيتهم..وقد أقام حفلا ودعا إليه الحاصلين على جوائز الدولة منذ عام 2019 حتى 2024 بدار الأوبرا وهذا أمر نحمده فقد كانت الجوائز توزع سرا في أحد مكاتب المجلس الأعلى للثقافة.
ومهرجان المسرح وإعادة الفنون الشعبية والمسارح للنور وافتتاح عدد من قصور الثقافة للعمل وفي انتظار عدد منها للافتتاح نأمل أن يبقى الوزير على حماسه ولا تكون مجرد صحوة يعقبها هدوء واستراحة بل نريدها أن تكون صحوة تعيد للثقافة المصرية مكانتها ولقوتنا الناعمة صدارتها فمصر قاطرة الثقافة في المنطقة إن نهضت مصر نهضت المنطقة والصراع القائم الآن هو صراع هوية وثقافة.
يمكن للدكتور أحمد فؤاد هنو أن يعيد الروح لوزارة الثقافة فلديه المؤهلات لهذا الآن ونحن معه وقبله وخلفه وتواصله مع الكتاب والمثقفين لا ينقطع..نتمنى أن يتجاوز العقبات البيرقراطية التي ستوضع في طريقه وأرى أنه قادر على تجاوزها..ويمكنه أيضا تخطي حدود خطط موظفيه الجاهزة ليعيد روح الثقافة المصرية مرة أخرى للجسد وتنهض وزارة من أهم الوزارات لأنها الجدار الصلب لحماية الهوية والتاريخ إذا وضع يده في يد الكتاب والمثقفين والفنانين ستعود الروح..روح مصر التاريخ والحضارة وفجر الضمير.

اقرأ المزيد:
عاجل/ السيد وزير الثقافة نظرة لما يحدث من تربيطات لإضاعة حقوق الادباء