ظمأ / بقلم.لندة مرابطين

 


بعيدا عن موقف الحافلة كانت عجوز تتكئ على عصا تحاول الوصول لبيتها، الوقت مبكر، الأرجل تتسابق وسط الطرقات لكل شخص وجهته، المدينة تفتح حضنها للغريب والقريب، بائع الحلوى كعادته يقبع بنفس المكان، بوجهه البشوش يوزع ابتساماته للقلوب الميتة، السيارات بلونها المصفر تستعجل في طلب رزقها، من الإذاعة تتردد ترانيم صباح الخير، رائحة الأرض تخبئ حنين الأجداد وحكاياتهم من زمن الأبطال.
الشمس تسطع لتلون أحلام الشارع بحرارتها الملتهبة، صف من مدمني السجائر ينتظرون فتح أبواب المقهى، تأخر عنهم صاحبهم، استغرب البعض من هذا!! ليس من عادته، طوال الشهر وقته منتظم وكراسي الغرفة مرتبة، الثرثرة.. ضباب الدخان.. قلب الطاولة.. لا يوجد شيء، فقط، صمت الجدران، لم يعرف أحد أن صديق فنجان القهوة رحل….
في الحديقة المقابلة للموقف، جلست العجوز فوق كرسي خشبي، تحمل أنفاسها الكئيبة، تستعطف المارة وعصافير الحب بلقمة تسد بطنها الخاوي، وشربة ماء تعيد لها القليل من عمرها المغتصب، فرحت بفراخها الصغار كبروا بعد تضحيتها وعرقها، ثلاثتهم يأسسون لمستقبلهم كما تمنت أن تراهم دائما.
كان كلما يمر الوقت تزداد المدينة اكتظاظاً وتمرداً، النسيان يتربص ليقتنص فريسته، كؤوس الدمع فائضة من ذنوب الأبناء، (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله)
لم يعد الأمان كالسابق، الحب أصبح له ثمن، تغيرت حلاوة الدنيا بطعم مر… خارج الأسوار تركت وحيدة، مشردة، تعانق لعبة بلاستيكية ترضعها من ثديها الأيسر، بعد أن جفت عروق الآخر.
ملاحظة: الآية 19من سورة (المجادلة)

 

اترك تعليقاً