جمال التلاوي يكتب: قصة “قلقة” لـ “سهير شكري” تصور لنا فلسفة حياة

( سهير شكرى قاصة و روائية و فنانة تشكيلية و فنانة مسرحية لسنوات طويلة . تبدو موهبتها الأصيلة و خبرتها الطويلة فى هذه القصة التى تنقلنا لتقنيات جويس و فيرحينيا وولف و لكن بطريقتها المصرية/ العربية. القصة بهدوء تنقل لنا رحلة زمنية طويلة لا نشعر معها بمحطات الزمن. تفترض شخصيات غير موجودة فى الواقع لكنها تؤدى دورها و تختفى. مقاطعها مقطوعات شعرية. . تتنقل بين الازمنة بهدوء ودون ان يشعر القارئ بصغط عامل الزمن. و يتغير المكان بمهارة شديدة تبدو القصة و كانها رحلة فى أعماق أنسان يبحث عن الحقيقة.. عن حقيقته و كينونته. قصة تصور لنا فلسفة حياة بدون تفلسف. من القاصة. )
روح قلقة
قصة: Soher Shokrey
فررت من هناك كعصفور خائف مرتجف قلبه كاد الصقيع يإكل أطرافه بحثا عن دفيء فصفعته رياح عفية كراقصة بارعة أشركت الأشجار والرمال معهافي رقصتها الماجنةالمثيرة ، حتي كادت تخلع أجنحتي الضعيفة المهيضة وأسقط علي الأرض فانبعث أنيني الذي طرب له كل من حولي غير عابىءإن كان صوتي هذا غناء أنينا . وجئت إلي هنا لاشتياقي لسحابة تمطر علي حبا وحنانا رغم وعيي الخفي بزوال الحب وقسوة الأبناء وضياع الشباب روحي معلقة بين اليأس والرجاء أن يكون بمثابة سفينة نوح التي تنجيني من الغرق ، ممنية نفسي بأن تهدأ العاصفة ويتطهر البحر الغاضب من نفاياته وأدرانه ، ويصبح صافيا متسامحا متوضئا ليقيم صلاة طويلة كمتصوف يعلو وجهه النور والضياء فأسير علي شاطئه خاشعةراضية
فررت من هناك لمطاردة أشباح مخيفة تلازمني تعايشني فررت من دوراني في فراغ من رائحة الموت العالقة بأنفي ..
فررت من صوت الصمت العاتي الذي أصابني بالصمم
فررت من هناك لشعورى أني امرأة ضاع منها كل حصادها ولم يبق لها إلا الحشائش الضارة
جئت إلي هنا بحثا عن طفولة وئدت وحب هارب وكبرياء جرح وحرية سلبت عندما سمع البحر تأوه روحي استقبلتني أمواجه بالبكاء مد البحر يهملني والجذر يأخذني .لكني فوجئت بصوته يناديني. استدرت فوجدته واقفا ورائي..هل أشباحي تطاردني أينما توجهت ؟
قال لي معاتبا ومؤنبا:
لماذا تركت هنا أتعبتيني ومزقتيني ىبين هنا وهناك
– تركت هناك وجئت إلي هنا بحثا عن استراحة بعد عناء مر طويل …طويل
– وأنا ألم تفكرى في أني لا أستطيع ترك هنا ،حيث ولدت وتعلمت الحبو والمشي والكلام وتركت أسناني اللبنية وشرفتي التي أطلقت منها أول طائراتي الورقية وعندما كبرت وقفت فيها مصلوبا لأري فتاة أحلامي في الشرفة المقابلة
لذا لا أستطيع ترك هناك
وفي نفس الوقت لا أستطيع ترك هنا حيث تقيمين .لماذا فررت مني ؟ روحي معلقة بك
-أنا لم أفر منك.. أنا فررت من الموت الذي سكن حوائطى ٱمل أن أعيش يوما من طفولتي المسروقة مازلت أتحسس قلبي الموجوع وصدرى المنقبض من صرير الأبواب الحديدية عندما تغلق وتطفأ الأنوار ونؤمر بالدخول الي حجراتنا التي كانت لاتعدو إلا سجونا إنفرادية كم تمنيت يومها أن تخلع الرياح كل أبواب العالم الموصدة . لأستنشق الهواء نقيا سخيا يدخل أعماق صدرى …عوملت كأنثي وأنا طفلة كل مايشغل عقلي أن اترك قدمي للريح وأجرى في البراح وأتدحرج علي العشب الندى في رحاب الله بروح حرة بريئة . وقلب يمامة طليق
وعندما كبرت تاه عني الحب .. لم أشعر بأنوثتي بل بغضتها . أحسست أني خادمة لسيد متغطرس يتصيد لها الأخطاء ليحاسبها ويعنفها لأتفه الأسباب
ألغيت وجودي الإنساني فلم يعد ينقصني إلا غمامة علي عيني لأستطيع مواصلة الدوران ..لم يكن لي يوما شريك
جمعت كل ملابسي التي تدل علي أنوثتي أدوات الزينة .. أحذيتي ذوات الكعوب العالية وأعطيتها لمن تستحقها
وأنت مازلت تلاحقني وتسألني لماذا تركت هناك ؟
هل أقيم وحدي ياولدي بعد رحيلك في مكان شهد إغتيالي ؟
مكان تبدلت فيه أزهارى و ٱمالي إلي وريقات يابسة يحملها طائر الخوف إلي عشه الكئيب تذروه الرياح!
هل ٱمن بحصن الريح وأنا طائر مقصوص الجناح جريح ؟
واسفاه… بعد أن جئت إلي هنا أكتشفت أن الشمس لاتدفىء بعد الأفول ،
وأن موتاي ألتصقوا بساعدي أصحبهم معي أينما سرت.فها أنت تلحق بي وتحاسبني وتؤنبني . ويالسخرية القدر لقد ظننت أنه بفراري من هناك إلي هنا سأحقق مافاتني من عمر منفلت اكتشفت أنه فرار الجرذان من جحر إلي.جحر
فماذا فعلت بعد أن تهاوت الأسوار ، وفتحت أبواب الحصار علي مصراعيها ً؟
هل انطلقت وطرت إلي السماء ؟ أو حتي جريت علي الأرض ؟
أو استنشقت الهواء ؟
اكتشفت أني لا أستطيع الاستمتاع بأي شيء فقد ضاق صدرى ولم يعد يحتمل كل هذا الهواء والأسوار تحطمت لكني وجدت جناحي لم يعد بهما ريش فلم أستطع الطيران .. نظرت إلي الأرض وقد تيبست قدماي وخفت من السير في طرق مجهولة لم أعتد السير فيها من قبل فلا علم لي بشعابها .حتي الصراخ لم استطعه فلم اتعلم إلا الصمت
نظرت إلي السماء فوجدتها قد أظلمت لا يوجد بها غير نجم واحد قلق مثلي فشعرت بالغربة وتمنيت العودة إلي رحم أمي أمعنت النظر إلي البحر فرأيته فاردا زراعيه كأم رؤوم فارتميت بين أحضانه وتركت المد يأخذني والجذر يأخذني مي اعود لطفولتي
سهير شكرى