الشاعرة “نعمة بن كيران ” وطبيعة المعجم الشعري

الشاعرة “نعمة بن كيران ” وطبيعة المعجم الشعري

 

كتب إبراهيم موسى النحّاس:  

 

  

تتميز التجربة الشعرية لدى الشاعرة مغربية الأصل نعمة بن كيران بالسلاسة والبعد عن التعقيد في جمال لفظي يتناسب ويتناغم مع رؤية الشاعرة التي تقوم على الدعوة إلى نشر السلام والحب , فيخلو معجمها الشعري من الألفاظ الغريبة , ولا تتبنَّى ما يمكن تسميته بشعرية الغموض , بل يميل معجمها الشعري إلى الوضوح الممتزج بالجمال الفني الذي يبعده عن التقريرية أو الابتذال باعتبار اللغة هي وسيلة لتوصيل ما بداخلنا عن طريق الإيحاء وقد عبّرت عن هذه الرؤية في نظرتها للغة وتعاملها معها حين قالت في أحد تصريحاتها: (الكتابة نوع من المصارحة إن لم نقل المصالحة مع الذات بغية تحقيق مرضاة الآخرين, نكتب لنقول ما لا يقدر اللسان إيصاله ولو كان من مُستهلِّ الإدراك كونها علم من متعة الكلام, نكتب لكي نبوح بسِرٍّ ما يسعدنا و يؤرِّق مضجعنا وما هو بحزن يلمُّنا بل قوة تجعلنا نقاوم أنفسنا حتى نتكلم عن كل شيء بصمت الكتابة وسيلة إيصال واستخدام لتواصل خاص للغةٍ هي فيها الكثير من الإيحاء)) مثل تلك الرؤية حول وظيفة الكتابة وطريقة التعامل مع اللغة قد يتفق معها البعض وقد يختلف لكنها في النهاية تجعلنا ندرك أننا أمام شاعرة تكتب القصيدة عن رؤية ووعي بقناعات فنيّة حول وظيفة الكتابة وطريقة التعامل مع اللغة , ومن باب الإيحاء كان توظيفها للغة السؤال التي توحي بقلق الذات الشاعرة تجاه الآخر أو الواقع , كما يعكس حيرة تلك الذات التي تركض منذ صغرها نحو الضوء فتقول في قصيدة ( أفق الضوء ) :

((أكنتَ اختياري صِدْقًا 

أم كنتَ قدَرِي ؟

يا حُلمًا أشرقَ

في أفق صدري

أركض وراءه

كالطفل يركض

في روضة الصغر

أسترق النور

من عيون السحر))

والمعجم الشعري عند الشاعرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة حياتها ليعكس صدقًا فنيًّا يرتبط أيضًا بصدقها في التعامل مع واقعها المُعاش فنجد كلمات تنتشر في نصوصها مثل ( سماء – نجمة – تحلق – هواء – رحلة – سحاب – مدن …وهكذا ) هذا رُبَّما لتـأثر الشاعرة في معجمها الشعري بطبيعة وظيفتها في مجال الطيران المدني, ويكفي مقطع واحد من قصيدة ( مدن القلب ) ليؤكد هذا الملمح حيث تقول: 

((اعتبرني نجمة

مُعلقة في سماء حبك

أو رحلة تعبر

مع سحابك….

هدهد قلبي

ليهدأ بروحك نبض

قلبي ….

ويولد في داخلي

عشقك.))

وعلى مستوى الخيال تجمع الشاعرة بين الخيال الجزئي القائم على التشبيه أو الاستعارة مع الخيال الكُليّ الذي يرسم لوحة ومشهدًا يمكن تخيُّله بجميع عناصره وتفاصيله , ليصبح المقطع الشعري وكأنّه لوحة تشكيلية يمكن تتبع عناصرها وخطوطها كما في قصيدة ( ظل رجل ) التي تقول فيها: 

((كنت تسبقني

عند أبواب الانتظار

لتراني

فأصبحتُ

أجمع ذكرياتك

في علبة العشق

كحلوى

وعندما ألمح طيفكَ

أتذكّر ذلك الرَجُلَ

الذي كنتَ تشبه ظلَّه))

جمع الذكريات في المقطع السابق يعطي ملمحًا يخص علاقة الذات الشاعرة بالآخر الذي يصنع بغيابه وحدة تلك الذات وإحساسها بالاغتراب ولعل قصيدة ” حالمة فيك ” توضح جدلية علاقة الذات الشاعرة بالآخر والتي تقوم على مبدأ غياب هذا الآخر فتقول: 

((أنا وحدي

أسمع هسيس الأشجار

أبحث عن كياني

لعلّي أجدني

أو تجدني معك)) أو قولها في قصيدة ( وجد الغرام ):

((طافَ العمرُ

على وعدِ الُّلقا

يا صاحب الوعدِ

شاخ وعدُ الأعوام

والنفسُ تبقى

ماضيةً في المدى

حدائق عشقٍ

غنّاءة وَجْدَ الغرام ))

من القراءة السابقة يمكننا أن نقول إنَّ الشاعرة نعمة بن كيران في تجربتها الشعرية تدعو لقيم إنسانية تتجسد في الحب والسلام وتحدد طبيعة علاقة الذات الشاعرة بالآخر بصبغة يغلب عليها لون الغياب وإحساس الذات بالوحدة والاغتراب    معتمدة في التعبير عن رؤيتها على معجم شعري يقوم على الوضوح والجمال دون تقريرية , مع توظيف السؤال الذي يعكس قلق الذات الشاعرة وحيرتها , إضافة إلى الجمع بين الخيال الجزئي والكُلِّي , لنجد الشعر في بهاء لغته وتصويره ورؤيته مرآة للشاعرة إن لم يكن مرآة صادقة لأنفسنا والحياة.

 

اترك تعليقاً