مصطفي نصر
مصطفي نصر

الجهل والجهلاء .. بقلم : مصطفي نصر

روى الشربيني- مؤلف كتاب هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف- إن عالماً دخل إحدى قرى الريف في مصر فتوجه إلى المسجد ليصلي صلاة الجمعة فذهل ذهولاً شديداً حين رأى أهل القرية يدخلون المسجد، وكل واحد منهم معه قفة من خوص، وفيها مغرفة وخشبة وسكين من حديد وفأر ميت معلق في عنقه، فتعجب من أمرهم وإذا بالخطيب يجيء في نفس صورتهم فإقترب منه وسأله عن هذه الحال فقال: أنا الذي أمرتهم بهذا. فقال له: هذا الأمر باطل والصلاة باطلة فما الذي دفعك إلى ذلك؟ قال:

حديث قرأته في كتاب عندي يسمى-التيه- ولفظه حدثني بختي بن تحتي عن شعبان النوري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصح جمعة أحدكم إلا- بقفة ومغرفة وخشبة وسكينة وفأر). فطلب منه الكتاب وإذا هو كتاب-التنبيه- صحفه مدّعي الفقه بالتيه. وإذا الحديث: لا تصح جمعة أحدكم إلا بعفة فصحفها بقفة، وسَكينة وصحفها بسِكِّينة، وخشية فصحفها بخشبة ومعرفة فصحفها بمغرفة ووقار فصحفها بفار.وأما سند الحديث فهو حدثني يحيى بن يحيى عن سفيان الثوري. ويحكي أيضاً، بأن رجلا من الأعيان سعى عند قاضي القضاة بمصر لكي يعين فقيهاً منهم ببعض المحاكم، فلما حضر عنده سأله قاضي القضاة: هل تحفظ القرآن؟ قال: نعم – أيد الله مولانا القاضي – وعندي مصحف مليح بخط مؤلفه، فتحقق القاضي من جهله وطرده.

وكنتُ ضمن وفدا ثقافيا، ضيوفا على محافظة الإسماعيلية أيام كان عبد المنعم عمارة محافظا لها – وبعد إنتهاء اللقاء، أعادتنا إلى الإسكندرية سيارة من سيارات المحافظة، وفي قرية صغيرة من قرى البحيرة، توقفتْ السيارة لكي نصلي الجمعة، فدخلنا زاوية صغيرة، وكان صبيا يقف على المنبر يخطب، فقال: إن يهوديا تحدى سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم – سأله عدة أسئلة منها: كيف يقول الله للشيء كن؛ فيكون؟.وكان النبي يجلس على مقعد، واليهودي على آخر، فتبادلا الأماكن، وقال النبي: هكذا يقول الله للشيء كن فيكون. وسأل اليهودي: كيف يُعذب أبليس بالنار مع إنه مخلوق من النار.فقام النبي وضربه بقالب طوب حتى أسال دمه، وقال له: أنت مخلوق من الطين، وها هو الطين يجرحك ويسيل دمك.- إنني غير متذكر الآسئلة الأخرى التي سألها اليهودي للنبي.

وإقترب الأستاذ عبد الحفيظ نصار- عليه رحمة الله- وكان مدرسا للغة العربية، وأديبا وعالما في الدين، فصافح الفتي، قائلا له: جميل أن تتصدى لخطبة الجمعة وتؤم المصلين، وأنت في هذه السن المبكرة، لكن ما قلته عن لقاء الرسول واليهودي، ليس حقيقيا، إنما هي خرافات.فإذ بالفتى ينحني على يد الأستاذ عبد الحفيظ نصار محاولا تقبيلها، قائلا له: ليتك خطبت الجمعة بدلا مني، وصليت بنا فأنت أحق. وخرجنا من المسجد إلى السيارة، وإذ بزجال كان رئيسا لجمعية أدبية مشهورة بالإسكندرية، يقول لي غاضباً:

لماذا يحرج الولد بهذه الطريقة؟! ثم إستطرد قائلا: الذي قاله الولد صدق، وأنا قرأته في إحدى الكتب من قبل. وحكى لي الأديب كمال عمارة- عليه رحمة الله – بأن شابا ملتحٍ، جاءه في المسجد وطلب منه كتاب: ” عجائب الآثار في التراجم والأخبار” لعبد الرحمن الجبرتي. ولأن كمال عمارة يعرف أن هذا الشاب لا يقرأ إلا كتب الدين، فقد إندهش وسأله عن سبب إهتمامه به، فقال له: إنه من أعظم كتب السيرة. وعندما أراد أن يشرح له ما في الكتاب، غضب الشاب وإتهمه بالجهل.

وذلك يذكرني بما حدث في الشركة التي كنت أعمل بها منذ سنوات طويلة، فقد أقامت الشركة معرضا للكتب، في المسرح، وفوجئت برواية جمال الغيطاني ” التجليات ” موضوعة ضمن الكتب الدينية. وأعتقد أن كتاب ” البداية والنهاية ” عندما تصدي ناشره لعرضه للبيع، كان يظنه كتابا في السيرة النبوية، حيث أن لمؤلفه الحافظ ابن كثير كتابا مشهورا في السيرة النبوية. وقد كتبتُ قصة نشرت في جريدة الأهرام في عام 1994، بعنوان ” الشيخ عبد الصمد”.

تحكي عن موظف في إدارة إحدي الشركات، له زميل معجب برجل إسمه عبد الصمد يعمل في المصنع، ويحكي له كثيرا عن مدى تدينه، وقدرته على الإقناع، وفتواه التي لا تحيد عن الحق. وأن لديه مكتبة كبيرة فيها كتب الفقه والسيرة. وجاء هذا الزميل مع الشيخ عبد الصمد لزيارة راوي القصة في وقت متأخر من الليل، وإعتذرا لأنهما يجيئان متأخرين. لكن للضرورة أحكام، وهذه الضرورة أنهما يريدانه أن يذهب في الغد لأداء إمتحان قراءة وكتابة في مقر إتحاد العمال، لأن الشيخ عبد الصمد سينزل – بإذن الله – في إنتخابات نقابة الشركة، ولابد له من إجادة القراءة والكتابة، وهو لا يعرفهما. ودهش راوي القصة، كيف لا يعرف القراءة والكتابة وهو لديه هذه المكتبة العامرة بالكتب القيمة، فقال زميله: أصل عنده ابن في السادسة الابتدائية يقرأ له.

وسأل زميله: كيف سأمتحن مكانه.
قال الزميل: الأمر سهل، سنزيل صورة الشيخ من بطاقته، وسثبت صورتك مكانها.
وسأله: ولماذا لا تذهب أنت وتمتحن مكانه؟
فقال: ذهبت كثيرا، وكاد أمري أن ينكشف في المرة الأخيرة. وذهب راوي القصة إلى لجنة الإمتحان، وتقدم الشيخ عبد الصمد إلى الإنتخابات، وحصل على أعلى الأصوات، وأصبح رئيسا للنقابة. ولكي يرد جميل راوي القصة، فقد جعله عضوا باللجنة الثقافية بالشركة، التي يرأسها هو. وقد قرأ القصة الدكتور رءوف سلامة موسى، فقال لي: هذه القصة ستسبب لك مشاكل في الشركة التي تعمل بها.
قلت: لكنني لا أقصد أحدا بها.

قال: ولو، ستسبب لك مشاكل وفوجئت برئيس النقابة بالشركة يغضب مني، ويقول لزملائه في الإدارة التي يديرها:ده كاتب مغمور ومش مشهور.
فقد كان موظفوه يضعون له القصة في درج مكتبه، وكان يكتفي بقراءة عنوانها، فهو غير قادر على قراءتها كلها، فقدرته على القراءة محدودة، ووصل إلى درجة مدير لأنه رئيسا للنقابة.