احمد سليم يكتب : فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الدائم على القدس لتهويدها مملكة داود وسليمان العبرية أوهام لا نهاية لها

 

فى مواجهة

العدوان الإسرائيلى الدائم

على القدس لتهويدها

 

مملكة

داود وسليمان العبرية

أوهام لا نهاية لها

 

أحمد عزت سليم

 

     فى إعلان قيام “دولة إسرائيل” عام 1948 نص على ” إعادة إنشاء الدولة اليهودية ”  – establishment of The Jewish State انطلاقاً من المزاعم العنصرية التى تدعى أن إعادة إنشاء الدولة ما هو إلا ” إعادة بناء لمملكة داود وسليمان ” والتى يُدعى أنها كانت العصرالذهبى للتاريخ الإسرائيلى الذى تحقق فيه ” أعلى درجات التطور السياسى ويميز إسرائيل عن غيرها باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة لا تخضع للسيطرة الاستعمارية  وكما يرى أولبرايت أن إسرائيل هذه هى مرأة عاكسة لإسرائيل المعاصرة  أو على حد تعبير جورج إنست رايت ” إنها كيان فريد مفصول بشكل حاد عن محيطة الوثنى إلى درجة أنه لا يمكن فهم هذا الكيان بشكل كامل فى السياق التطورى أو البيئى … وأنها تحول فجائى بفعل إلهى وليس نتيجة حادثة عرضية فى التاريخ ” ويعتقد ـ أن إسرائيل كانت الواسطة الإلهية فى تدمير حضارة كنعانية فاسقة وعلى حد رأيه ـ فإن احتلال فلسطين هو جزء من الخطة الإلهية تدمير مثل هذا الفجورالكنعانى .

    تصير هذه الإقامة الإلهية فى سياق الزمن والتاريخ مبرراً لوجود “إسرائيل” ـ المزعوم ـ فما هى إلا إعادة بناء للدولة اليهودية التى قررها الإله وأن هذا السياق التاريخى أو السرد التاريخى كما يقول هومى بابا أن هذه الدولة هى فرضاً على تاريخ المنطقة لا يتفسر وجود المنطقة إلا بوجود هذه الدولة الألهية ، وهنا يتكلم برايت عن ” إمبراطورية تعتبر أكبر قوة فى فلسطين وسوريا، و لا تقل جبروتاً عن أى قوة عظمى فى عالمها ” و كانت إنجاز شخص واحد ذكى وناجح بشكل غير عادى هو داود .

    فى البديات وجد الباحثون صعوبة فى الاتفاق بينهم على الفترة الأثرية التى تتوافق مع عهد الأجداد، متى عاش إبراهيم وأسحَق ويعقوب ؟ متى تم شراء مغارة المكفيلة واستخدمت كقبر للأباء والأمهات ؟. وقد اقترح الباحثون التوراتيون منذ عشرين سنة اعتبار حكاية الاحتلال هذه أسطورة حيث اتضح أن المواقع الاستيطانية قد دمرت أو هجرت فى فترات زمنية مختلقة وتعزز الاستنتاج بأنه لا يوجد أساس يقوم على الحقائق لحكاية التوراة حول احتلال ” أرض إسرائيل ” على يد أسباط إسرائيل فى إطار حملة عسكرية بقيادة يشوع . وكما صرح غارينى وليتش وفلاناغن أن الغياب الأثرى لأى أثر لها وتحقيق ” إسرائيل الكبرى ” التى تصور باستمرارعلى أنها استثناء فى تاريخ المنطقة ويوصف بأنه غير مجرى التاريخ ، لا بد أن تكون قد وجدت ما يؤيدها فى الإنتاج البيروقراطى للحضارة المحيطة أو أن تترك شواهد ملموسة فى الآثار المادية بالمنطقة وأن ” المكتشف الأثرى يناقض بوضوح الصور التورتية فمدن كنعان لم تكن محصنة ولم تكن رؤوسها فى السماء ( كما ورد فى التوراة ) ، إن السمات الثلاث الأساسية للإمبراطوريات هى الهيمنة والأرض والمكاسب … وهذه العوامل الثلاث قد تضافرت فى حالة فلسطين فى تحديد السبب الذى جعل الوجود الإمبريالى فى فلسطين عاملاً دائماً إلى هذا الحد ، وفى هذا الشأن، يذكر كوت ووايتلام أن ضعف البنى التحتية لفلسطين بالمقارنة مع جيرانها أصحاب الحضارات النهربة الكبيرة كان عاملاً دائماً فى خضوعها للقوى العظمى الخارجية … فلم تستطيع فلسطين ببساطة منافسة الاقتصاديات النهرية والتفوق السكانى فى مصر وبلاد ما بين النهرين وكذلك فإن المزايا الطبيعية التى تمتعت بها هضبة الأناضول والهضبة الفارسية وفيما بعد أوربا متمثلة فى اليونان وروما ، كانت هى التى هيمنت على فلسطين، فلم يكن بمقدور منطقة ذات بنى تحتية ضعيفة مثل فلسطين أن تنافس القوى المعاصرة، فى وقت ظل فيه الأنتاج الزراعى والوضع السكانى عاملين أساسيين فى دينامكية القوى العالمية ويجب أن يفهم الماضى المتخيل لأمبراطورية داود فى ضوء هذه الحقيقة الجوهرية  فقد افتقرت فلسطين إلى القاعدة السكانية والاقتصادية التى تتيح لها منافسة القوى العظمى فى العالم القديم  .

     وقد أظهرت الاكتشافات الأثرية فى مواقع كثيرة أن حركات البناء التى تحدثت عنها التوراة فى هذه الفترة كانت شحيحة وقليلة ولم تكتشف فى عهد المملكة الموحدة ( حتى حسب التوثيق الذى يحظى بالإجماع ) آثار لمبانى ولم تكتشف فقط إلا مجموعة من الأوانى الفخارية … وعلى ضوء هذه الآثار المحفوظة من العهود السابقة واللاحقة أصبح واضحاً أن القدس فى عهد سليمان كانت مدينة صغيرة ضعيفة ، وربما كانت لها قلعة ملكية صغيرة ، إلا أنها لم تكن بأى شكل عاصمة الإمبراطورية الموصوفة فى أسفار التوراة ، كما أن داود لم يستطيع أن يسيطر ديموغرافياً وعسكرياً على كامل مدينة أورشاليم التى تفصل بين قبائل الجنوب وقبائل الشمال وبقى محصوراً بالأبنية المهجورة أصلاً فى حصن صهيون اليبوسى . ومن خلال القرأة المتأنية نستنتج أن المملكة الموحدة المزعومة لم يكن لها أى سيطرة جغرافية إلا على بعض المستوطنات على الجبال الجرداء جنوب أورشليم هذا حسب المقولة التوراتية .  ومن الناحية الأخلاقية المزعومة التى أسس إليها النظام الألهى السرمدى فعلى العكس من ذلك الزعم جعلت التوراة من داود من خلال سيرته أحط وأخس القادة العبرانيين ولم يتركوا موبقة لم يلصقوها به ، فصوروه على أنه شخصية أنانية بلا أخلاق، نفعية بلا مبادئ، رئيس عصابة مرتزقة كانت تقوم على السطو والسلب والنهب والقتل، وعلى دفع الإتاوات، وقد تحالف مع أعداء شعبة ( الفلسطينيين ) ضد شعبه دون سبب أخلاقى ، فإذا أضفنا إلى ذلك أن المملكة المزعومة سواء فى عهد داود أو سليمان لم تعرف الاستقرار السياسى ، كما يبين النص ،  متهالكة من الداخل إلى الدرجة التى يصير فيها الأب داود مختبئاً فى إحدى الحفر أو أحد الأماكن أو قد يكون مختبئاً فى بئر فكيف يكون لهذا الملك الخائف المختبئ أن يقيم إمبراطورية ، وليس هناك أدل على هذا التهالك والتفتت والصراع ما حدث لسرارى داود ــ والمفترض أنه الملك ــ على يد إبنه ، أبشالوم ، فقد نصب ” الشعب ” !! خيمة له على السطح ليدخل إليهم ، وأمام من ؟ أمام ” الجميع ” جميع إسرائيل” ، فكيف حسن هذا الفعل فى عيون هذا الشعب ، الذى يتهم الآخرين بأنهم ” أحط وأكثر الثقافات اللا أخلاقية التى عرفها العالم المتحضر ” فهل هناك أحط من هذا مثلاً ؟ ! وليس هناك أدل على الصراع الذى امتلأت به هذه المملكة المزعومة من النص نفسه والذى يقول فى وضوح صريح ” وكان جميع الشعب فى خصام فى جميع أسباط إسرائيل ” .  وصور لنا هذا السفر باختصار حالة الملك النفسية الإنهزامية على لسانه ذاته ” أمواج الموت اكتنفتنى ، سيول الهلاك أفزعتنى ..” ، وكيف يستطيع ملك مثل هذا أن يبنى حضارة راقية لا مثيل لها وأن يكون مثالاً وأنموذجاً للتضحية وقد أهلك من شعبه من دان إلى بئرسبع سبعين ألف رجل واختار أن ينجو بنفسه ولا يقع فى يد أعدائه فاختار أن يصاب شعبه بوباء فى جريمة هو ذاته قد ارتكبها وهى إحصاء الشعب وهذا يبين الحجم الحقيقى للتأثير الفعلى ــ للملكة المزعومة ــ على من حولها من الشعوب الآخرى والقوى المعادية لها والتى تحكمت فيها بالحصار وإجبارها على تسليم أبناء الشعب ليقتلوا ويصلبوا علنا .

     وطوال أربعين سنة حكمها داود لم تعرف المملكة المزعومة غير الصراع والخصام والتفكك بين أفرادها، بين إسرائيل و يهوذا ، وبين الشعوب الأخرى ، ولما شاخ داود ، لم تكن هناك المؤسسات التى تتولى نقل السلطة فى إطارها الطبيعى من خلال آليات متعارف عليها ، لوكانت ـ حقيقية ـ مملكة مستقرة كما يزعم المزيفون ــ ولكن سرعان ما بدأ الصراع فى أواخر حياته وبدأ سليمان التخلص وقتل أخيه بحجة أن الأخير طلب أبيشج إمرأة أبيه لنفسه ، رغم أن هذا مرفوض فى الديانة ، وهذه الحادثة إن دلت فإنما تدل على عدم وضع الديانه المستقر داخل الأسرة الحاكمة . ومُلك سليمان بناه خبراء أجانب من الممالك الأخرى بما لديهم من خبرة فنية ومعرفة علمية وفنون ومهن متخصصة ، لم يكن يعرفها أحد فى هذه المملكة ، وكما يوضح النص أن داود لم يستطيع أن يبنى بيتاً لاسم الرب إلهه بسبب الحروب التى أحاطت به ، لكن سليمان بناه بخبرة هذه الشعوب التى حاربته ، فكان حيرام ملك صور ـ باعتراف النص ـ ممتلئ حكمة وفهما ومعرفة لبناء هذا البيت ، أنه الحكيم والخبيرالأجنبى الآتى ليعلم هؤلاء الفنون والبناء ، حتى المراحض علمها لهم وما كان سليمان يتصرف إلا كما تصرف أبيه ، الأول أهلك سبعين ألفاً من شعبه ، وسليمان أعطى لحيرم ملك صور عشرين مدينة فى أرض الجليل ، هكذا يتصرف فى الأرض المقدسة والتى أعطاها الرب ــ كما ورد وأكد النص أن هذا العطاء الألهى سرمدى وأبدى ! ، لكن هذه المدن لم تعجب حيرم ملك صور صاحب الحضارة والمعرفة والتى أعطت لسليمان عظمته وأكملت له ملكة المزعوم وملك الرب بل وأحيت نفوس الشعب بما فيها من عظمة وبهاء ـ على حد اعتراف النص ـ فكانت هذه المدن غير ذات قيمة لملك مثل حيرام وهذا يشى بأن هذه المملكة المزعومة كانت فقيرة حضارياً لا تملك شيئاً ذات قيمة مطلقا ، فرفضها ملك صور فأعطاه سليمان مئة وعشرين وزناً ذهباً تعويضاً عنها ولا يدل ذلك إلا على أن سليمان كان خاضعاً صاغراً للممالك الأخرى ،  ويسدد ماعليه من ديون ، وفى الخلفية من هذا المشهد ، مشاهد يكملة ، صراع دموى بين الأب والأبن ، يأكل فيه السيف عشرين ألفاً من “الجميع” ، ثم مشاهد مزيدة تكشف أن جميع الشعب فى جميع الأسباط فى خصام ، حتى خضعوا دينياً لألهة متعددة ، وليتضح من ذلك كله :  ـ  أنه ليس هناك تلك الوحدة التى تؤدى إلى وجود الكيان المستقل الفريد فـ ” الجميع ” هنا وما انتهى إليه جماعات غير متميزة وغير متعينة بأصل موحد أو بنية واحدة ، قد يكون أقرب تعبير حقيقى وموضوعى لتوصيف هو مصطلح ” الجمهور أو الجماهير” وهو ما اعترف به النص . ـ   وأن هذه الجماهير يتحكم فيها أقلية تستند إلى قوة عسكرية  ، لها حرس كهنوتى مدعوم بالإله  . وليس هناك أدل من المسكوت عنه فى النص من فقدان الوحدة الإثنية والتى قد تساهم فى إنشاء مثل هذا الكيان ، إلا توزيع الأماكن التى تم الاستيلاء عليها ، كل على سبط بعينه وما يعبر عنه هذا التوزيع من سيادة الحالة البدائية القبائلية ، كما تكشف عن فقدان السمات الكلية المميزة المشتركة التى يمكن تشكل مايسمى بالسكان .

        هذا بدوره أدى إلى فقدن ضرورات امتداد تأثير هذا ” الجميع ” إلى الشعوب الأخرى سواء كان هذا التأثير سياسياً أو ثقافياً أو دينياً ، وإلى خارج أفراده ، ولم يدلنا النص على شعوب تبنت النص كديانة ومنهج حياة آنذاك . حتى صارالصراع والتناحر الدينى هو كل تاريخ هذا ” الجميع ” حتى انتهى حكم سليمان وراء عشتروت إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين وبنى مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل تجاه أورشاليم ويالها من عبارة ” تجاه أورشاليم ” وتكشف عن : التناقض وتصدع العلاقات والتوافق والايمانات مع أورشاليم المزعومة كرمز . والصراع معها وعمل ما هو مواز للقوة معها . وعدم قداستها أورشاليم فقد بنى رجساً مقابلاً وموازياً لها وفعل كذلك لجميع النساء الغربيات اللواتى كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن ،  وبناء على تبددت مع كل ذلك مزاعم وجود المملكة ومقوماتها من أساسها .

 

 

 

اترك تعليقاً