إشكالية التجنيس … وشعرية النص السردى قراءة فى رواية رئيس التحرير لأحمد فضل شبلول / د . شعبان عبد الحكيم محمد

-1-

   رئيس التحرير لأحمد فضل شبلول نص إشكالى ، فقد جاء ملحقًا بالعنوان (أهواء السيرة الذاتية ) والعنوان المكمل يؤكد أن هذا النص قريب فيه من نص السيرة الذاتية ، يؤكد ذلك رواية الراوى لأحداث وقعت لحياة الكاتب ( عمله فى مجلة ثقافية تصدر شهريا فى دولة من دول الخليج )  وفى كلمة أهواء دليل على انتقاء الكاتب من السيرة الذاتية ما يروقه ، وتدل – أيضا – على أن النص ليس سيرة ذاتية بالمفهوم الفنى المصطلح عليه ، لفن السيرة الذاتية ، فالسيرة الذاتية فن أدبى يسرد فيها صاحبه لحياته ، والمتاعب التى صادفها ، وكيف تغلب عليها ، ليحقق ذاته ، كل ذلك فى قالب فنى ، يمتلك من مقومات النص الفنى ما يجعله ذات قيمة أدبية ، فهذا النص لم يعرض لحياة صاحبه برمتها ،منذ صباه حتى مرحلة من عمره ،أو حتى اللحظة الآنية لكتابته السيرة ، فهذا النص يعرض لآخر مرحلة عمرية من حياة الراوى ، حيث العمل فى الإعلام ، ويقوم النص على عنصر الانتقاء ،  فيعرض ما يجده مرضيَّا ، لذا وجدنا النص لا يعرض مواقف فيها من إحرج الكاتب وإظهار ضعفه وهزيمته فى مواقف كثيرة فى الحياة ، حتى المواقف التى تعرض لضعفه كتعبيره عن غربته  ، وألم الغربة فى فقرة ” غريب على الخليج ” لا نجد ضعفًا مؤلمًا ، فما يسرده الكاتب يمرُّ به كثير من الناس ،أكثر من ذلك إنه يختلق المشكلة اختلاقًا ، ما مشكلة أن يحتاج أى إنسان لمبلغ مادى لفترة مؤقته ويستدينه ، ثمَّ يرجعه لصاحبه بعد ذلك بعد تقاضيه لراتبه  ؟! …. إن الكاتب يلزم نفسه عصامية فريدة ، فمهما تكن الظروف لا يستدين ، ومهما برح به الجوى ، لا يتصل بمنى فارس التى أحبحا واحببته ، والتى جعلت له وجودًا فى عالم الصحافة ، فى توصيتها لصديتها الجوهرة للعمل فى مجلة خليجية، ليحصد من ورائها شهرة ومالًا .

أهواء السيرة الذاتية نص له طزاجته فى سرده  لصفحات من حياة أديب قى معترك الحياة ، وإن كانت عصاميته البعيدة حائلًا فى تفجير نص درامى ، يقوم على الصراع من أجل تحقيق الذات ، وإن عبر النص عن نفسية صاحبه ، الاعتزاز بنفسه ، وإتقان العمل للنجاح ، ولكن عدم سرده لمواقف كثيرة فى حياته فى معترك هذا الواقع ، لم يصنع نصًا فيه العمق لافتقاد النص للصراع .

نص يُروى بضمير المتكلم ، ويسرد لأحداث واقعية مرَّت بالراوى ، وإن تبلورت أحداثه فى عمله فى مجلة ثقافية بدولة من دول الخليخ ، حتى الأحداث التى تجاوزت هذا المشهد من حياة الراوى ، تدور فى فلكه ( حبه للصحافة  منذ صباه ، حين عمل رئيسا لتحرير مجلة حائطية وهو فى الجامعة ( دعوة للتأمل ، ثم مجلة إشراقة ) ومراسلته لمجلة الثقافة العربية ، والتى تمَّ استدعاؤه بأمن الدولة للتعامل مع دولة فى فترة كانت العلاقة السياسية بيننا تمرَّ بصورة من التوتر ، تفكيره فى نشر أشعاره فى مجلة معارضة ( الطليعة التى كان يرأسها لطفى الخولى وقتها) أما بعد ذلك فتسرد الرواية لسفره وعمله فى  مجلة ثقافية بالخليج ، وأهم الأحداث التى مرَّت به فى حياته ( تحقيق إعلامى عن مملكة البتراء فى الأردن ، تغطيته لمؤتمر السينما فى أبى ظبى ، مقالته بعنوان الغربة وتكاليفها فى الخليج ، حيث وقف على المشاكل التى يعيشها الغرباء فى دول الخليج ، هذا المقال رفض رئيس التحرير نشره ، فنشره فى مجلة أخرى بمساعدة الجوهرة ، مما أثار الرئيس وكلَّمه بلهجة مستقزة : أنت تعمل فى مجلة حكومية ، ولا تنشر فى أية مجلة ولا جريدة إلا بعد إذنى ،  كتاباته التى تنشر شهريا ) وآخرها مقالاته عن ثورة 25 يناير ، ليكون هذا العمل معبرا عن وجهة نظرة صاحبه كشاهد على عصره فى ظلَّ أحداث جسام ، والذى رفض رئيس التحرير نشره فى المجلة التى كان يعمل بها ، ونشره فى مكان آخر .

كل هذا  ربما يدفع بالقارىء بتصنيف هذا العمل سيرة ذاتية ، لاحتوائه على أحداث عايشها الكاتب ، وعبر عنها بصدق ، فى تلقائية فنية جميلة ، ولكن لا يمكن تصنيف هذا العمل كسيرة ذاتية للآتى :

1- عدم تصريح الكاتب بالأسماء الحقيقية ، وكذلك الأمكنة ، حتى اسمه هو ، جعله  ” يوسف عبد العزيز ” وللاسم دلالته ، فيوسف صاحب الخلقة الجميلة كان مثار إعجاب الحسناوات ( منهن زوجة عزيز مصر فى التراث ) واسم عبد العزيز فيه من طباع الراوى العزة والأنفة والاعتداد بالكرامة ، والراوى تُعجب به امرأتان لجمال خلقته وأخلاقه وشعره وثقافته ، امرأتان تتمتعان بالجمال وبالمنصب الاجتماعى الراقى هما : منى فارس صحفية ناجحة ، ثم ممثلة ناجحة أيضا ، وارتبط بها وجدانيا ، حتى نهاية هذا العمل الفنى ، كقوله ” كنت أتمناها فى خيالى وفى صحوى وفى نومى ، وفى هذيانى وسكونى ، كنت اكتب فيها القصائد دون أن تعرف  ” ص 33.ولقد كانت تعلم هى ذلك ، حين واجهته فى النهاية ، قلت لك :أنا الشطُّ …. وأنا لن أكون امرأة العزيز ، وأنت الإنسان النقى العفيف ، دعوتك لشقتى فى طلعت حرب ورفضت ، أنت رمز لزمن جميل ، أعيش وسط ذئاب تريد أن تنهش لحمى وعظمى ، وتبقى أنت الرجل المحترم ، سأظل مدينة لك بأجمل أيام الإسكندرية .( الرواية ص 170 ) ورغم ما طرأ على حياتها من ارتقاء فى سلم النجومية والثراء فى عالم السينما ، ظلت مرتبطة به وجدانيا ، ولم تنس أشعاره فى عينيها ، والثانية الجوهرة إبراهيم ، التى يقول عنها ”  وجدت نفسى أمام امرأة حديدية ، مثقفة ، تجيد أكثر من لغة حصلت على الشهادة العلمية من اكسفورد ، خفيفة الظل ، عندها قدرة على إدارة الحوار بلباقة ….إلخ .

وعندما زارها بطلب منها أعجبته فيلاتها التى هى تحفة من التحف …اللوحات التشكيلية المعلقة على الجدران ، لكبار الفنانين العالميين وللفنانين العرب ، والتماثيل والنجف ، والأثاث الفخم …إلخ .وعندما طلب منه العامل أن يأتى له بالخمر ،  فقال : ليس الآن …سلمت ضاغطة على يديه قائلة :أراك مرتبكا قليلا على غير ما رأيتك فى المجلة .( راجع الرواية ص 80 : 82 ) ،وأعتقد أن منى والجوهرة اسمان مستعاران ، فلن نسمع عنهما فى عالم الواقع ، واعتقد ان هذين الاسمين رمزان لامرتين عرفهما فى حياته ، وقدمتا له خدمات جليلة ، لإعجابهما به ، فاسم منى ( يوحى بامراة يتمناها ) والج=وهرة ( يوحى بقيمة هذه المراة العظيمة )  حتى الأماكن لم يشر إليها فى صراحة ، فلا نعرف اسم المجلة ، ولا الدولة التى عمل بها…إلخ .

ومعروف فى السير الذاتية أن يروى الراوى بصدق عن نفسه وعن الشخصيات ( الواقعية ) التى قابلها ، وأسماء الأماكن ، والزمن الذى عاش فيه ، وعن كل المواقف التى أثرت فى حياة كاتبها .

ثانيا : أن الرواية لم تسرد لحياة الراوى منذ صباه ، حتى ما وصل إليه من مجد ، متحديا الصعاب والعقبات ، فلم نجد شيئا عن طفولته ، ولا عن رحلته فى عالم الشعر ، والصعوبات التى واجهته إلى عالم الشهرة ، حتى أصبح شاعرًا من الشعراء المعدودين فى مصر ، بل وفى الوطن العربى ، والتى أعتقد أن كثيرا من المبدعين عانوا منها ، كالطباعة ، واعتراف الساحة الأدبية بوجودهم  ، وفى ظنى أن طريق المجد ليس مهيأ بالصورة التى لا يذكرها صاحبه فى تاريخه الأدبى ، فالرواية تسجيل لرحلة الراوى فى عالم الصحافة فترة من الزمن ، ليعرى وضعا ثقافيا ، تنغمس فيه الثقافة العربية ، ومنها الإعلام كمؤسسة ثقافية واسعة الانتشار .

-2-

إذا كانت مقصدية كاتب السيرة أن يظهر للآخرين رحلة كفاحه والمتاعب التى لاقاها فى طريقه إلى ما وصل إليه من مجد ، حتى يبرهن على قوته وجسارته ، لما تحمله فى حياته العلمية من مكابد كما فعل طه حسين فى الأيام ، حيث أظهر حياته القاسية فى ظل منظومة الجهل والفقر والمرض ، وكيف استطاع رغم عاهته أن ينتصر على الصعاب ، ويحقق ذاته ، لا فى قريته الفقيرة المتخلفة الجاهلة ، والتى كان الجهل سببا فى عاهته التى لأزمته طيلة حياته ، بل وفى مساره العلمى حين هاجم مناهج الأزهر والأزهريين لتشددهم ن لتمسكهم بقداسة النص التراثى … إضافة إلى رحلته العلمية إلى فرنسا وزواجه لسوزان ، وهدف محمد شكرى  فى سيرته التى عرضها فى جزءين ( الخبز الحافى والشُّطار ) أن يصور لنا طفولته الضائعة المشردة ، وتأخره فى الالتحاق بالتعليم ، ورغم ذلك استطاع أن يكون كاتب قصة ناجح على مستوى الوطن العربى ، فمقصدية الكاتب هنا ، قد تشترك فى غائية السيرة الذاتية عند مؤلفيها ، وهى – فى هذا النص – الإشادة بشخصه ، كشاهد على عصره ، لقد مرَّت بمصر ثلاثة أحداث هامة فترة حياته ، ثورة يوليو 1952م  ومظاهرات 18 و19 يناير عام 1977 بعد موجة الغلاء التى فرضتها الحكومة آنذاك  ، وثورة 25 يناير عام 2011 ، الحدث الأول لا نجده يشارك فيه لحداثة سنه ، وربما كان وقتها مازال فى ظاهر الغيب ، ولكن يذكره بكل حب وتبجيل لرجاله ، ويختلف مع رئيس التحرير غير مرة لعمل عدد مخصوص لهذا الحدث فى المجلة ، والحدث الثانى يشارك فيه ، ويصاب بضربة شومة ( عصا غليظة ) بعدما شارك الثوار من الترسانة البحرية مرددا معهم الشعارات الآتية الشعارات :

سيد مرعى يا سيد بيه …كيلو اللحمة بقى بجنيه

يا ساكنين فى القصور   الفقراء عايشين فى قبور

يا حاكمنا فى عابدين …فين الحق …. وفين الدين

ويشارك فى ثورة 25 يناير بقلمه مقيِّما الوضع ، ومفندا لسلبيات الواقع فى تلك الفترة ، ويشيد هذا النص براويه كرجل عصامى ، يعتز بنفسه ، ويأبى الضيم أينما كان ، يرفض مكاشفة منى بحبه ،لأنه يعلم فى قرارة نفسه مستواها الاجتماعى والمادى بعدما أصبحت ممثلة مشهورة ، وفى الوقت نفسه يبقى على علاقته الطيبة بها ، بل ويظهر له – فى عزة – مشاعره عندما تتجاوب معه ، يرفض مفاتحة الجوهرة بالزواج رغم أنها قربت منه ، فى علاقة وصلت إلى تجاوز حدود الصداقة والغزل ، فأصحبت علاقة فيها المجاهرة والالتحام الجنسى فى بيتها ، يرفض الاتصال بمنى حين تأزمت حالته المادية ،لتأخر السلفة والراتب ، يتعامل مع الرئيس بكل عزة واحترام ، فيرفض عرضه عليه التنَّصت على زملائه ، يرفض العرض المقدم من علياء فى توسطها لأحدهم ( سلطان ) يكتب شعرًت متواضعًا ، ويريد منه أن يكمل له نصه الشعرى ،على أن  يحصل هو على المكافأة ، يرفض عرض الخادمة شاشى الهندية  عليه للتمتع بجيدها وبدون مقابل ، يرفض الغداء عند جاره المصرى الذى تكفل بإعطاء ابنه درسًا … يرفض أن يعمل مصورًا مع منى فى عمل إعلامى ، ويحافظ على احترام كيانه ووجوده الثقافى …. والنص به إشادة  بجهود  الراوى فى عالم الإعلام ، وهو عالم للشهرة والثراء ، وتقلده مكانة عالية بجهده ولذكاته ولثقافته ، وفى الوقت نفسه يعرض لسلبيات وعيوب هذا المجال ، فالمجلة تخضع لسياسة الدولة ، لذا تُحَدُّ الحرية ، فلا يُنشر فيها إلا ما توافق مع سياسة دولة المجلة ، فالرئيس بعدما يقترح ملفا عن ثورة يوليو 1952 يتراجع ، ويرفض نشره لمقالته بعنوان الغربة وتكاليفها فى الخليج ، وعندما ينشرها فى جريدة خليجية يؤنبه لعدم أخذ موافقته بالنشر لعمله فى مؤسسته ، ويكون ردُّ فعل الراوى السكوت الراوى وطلبه إجازة … ويرفض الرئيس – أيضا – نشر مقالات عن ثورة 25 يناير لتأييد كثير من سلطات الخليج لمبارك ونظامه … وممنوع على الصحفى أية أسئلة يمكن أن تحرج الطرف الآخر ، كما حدث مع الراوى حين كلَّفه رئيس التحرير بحضور مؤتمرصحفى لأحد المهرجانات المسرحية الكبرى التى تقام فى الخليج ، وكان هدف المهرجان التواصل بين المبدعين العرب ولتقارب الفكر بينهم ، وفرصة لاكتشاف المواهب الشابة ، وعندما سأل مقدم المؤتمر عن نوعية اللغة التى تقدم بها المسرحيات ، خاصة أن المهرجان يشارك فيه بلدان عربية عدة : تونس وليبيا والمغرب والجزائر ودول الخليج ومصر ، ومعروف قصور اللهجة المحلية فى الفهم لغير الناطقين بها من تلك البلد …فلم يعجب ذلك المقدم ، ولا رئيس التحرير وهذا العمل يقوم على الوسطات والمحسوبيات ، فالراوى نفسه – رغم قدراته ونجاحه – لولا توسط منى فارس للجوهرة ما عمل فى هذه الوظيفة ، وعلياء الزغبى تأتى له بشخص لا يفهم شيئا فى الشعر ليكتب له باسمه قصائد ، ويحصل هو على مكافأتها ، ولو وافق لعرض عليه مساعدته فى إعداد ماجستير مقابل مبلغ مادى ، والرئيس نفسه ينشر مقالات ساقطة ، رفضها الراوى فى التقييم للنشر ،لأن هؤلاء يساعدونه عندما يذهب إلى شقته فى بيروت ، ويقومون بعد ذلك بتأجير هذه الشقة بأجر مادى كبير …إلخ … حتى الأشعار التى تنشر يعتمدون فيها على مراسلة شعراء مشهورين فى الوطن العربى ، وليس لديهم من الوعى والوفاء للمهنة باكتشاف مواهب شابة جديدة .

-3-

العمل الروائى نص تخيلى ، لاعتماده على الخيال فى خلق نسيج الأحداث ، وفى الربط بين أجزائها ، وفى بناء الشخصية والمكان والزمن ، و هذا العمل به مسحة خيالية ، تقوم على تنسيق أحداث موازية لعالم الواقع ، ورسم معالم شخصياته التى جاءت متفردة ، وإن كان اعتماد الكاتب على تجاربه الحياتية حدَّ من تحليق الخيال … ومما يُحمد من شعرية النص  فى الأداء الفنى رسم ملامح شخصياته بصورة متقنة ، فكل شخصية من شخصيات العمل جاءت واضحة المعالم والمزاج والنفسية ، الراوى ( يوسف عبد العزيز ) شخصية عصامية ، ترفض الضعف ، والزلف والسكينة ، يتمسك بقيم إنسانية ، صاحب عاطفة سامية ، ولكنه كإنسان لابد أن تكون له زلات ، وهذا ما حدث فى علاقته مع الجوهرة أكثر من مرة ، ومع الخادة شاشى مرة واحدة ،  منى فارس المنفتحة على الغرب ، مريمية الوجه ، هيباتية الفكر والتحليل ، عاشقة السينما والمسرح والموسيقى ، والفن التشكيلى والشعر النزارى ، خريجة الإعلام والصحافة ، تحلم بأن تصدر مطبوعة ثقافية متعددة عن الإسكندرية أعطته قلبها ، ولم تعطه جسدها المتوسطى ….ص (25 )كم التقيا فى كازينو الشاطبى يأكلان الذرية الشامية ، والجوهرة إبراهيم امرأة حديدية ، مثقفة ، تجيد أكثر من لغة حصلت على الشهادة العلمية من اكسفورد ، خفيفة الظل ، عندها قدرة على إدارة الحوار بلباقة ….إلخ ،ذات عاطفة إنسانية راقية ، ولكن لها زلاتها ، كما ذكرنا فى علاقتها مع الراوى يوسف عبد العزيز .

ورئيس التحرير رجل حريص على منصبه ، ينفذ ما يطلب منه ، يجرى وراء مصلحته ، فينشر مقالات هابطة مجاملةً لمن يقفون بجواره فى بيروت ، رجل تجارى ، ارتقى منصبًا أعلى من قدراته ، وهذا من مفارقة القدر ، ودرية إبراهيم تتصف بالنحافة ، وعلى قدر متوسط من الجمال ، ذات شعر أسود قصير ، وعينين سوداوين متسعتين وبراقتين ، كلها حدة وذكاء ، ساقاها نحيلتان ، وصدرها مسطح تماما  (ص 9 ) يطلبق عليها زملاؤها فى الكلية ” خشبة عمود عبد الواقف ” و كانت تعرف ذلك وتضحك وتقول الخشبة أفضل من الزعزوع …الخشبة واقفة اما الزعزوع فلين ورخو …وفى أحداث 18 و19 يناير عام 1977 كانت تسير بجواره ” خشبة عمود عبد الواقف ” التى لم تصبح خشبة ، ولكنها تحولت إلى عود كبريت من الحماس والهتاف ، ولذة المشاركة الجماهيرية . (ص 12)

وضابط الشرطة الذى حقق معه لنشره فى مجلة الثقافة الجديدة التى تنشر فى طرابلس شخصية واعية ، لا تريد تلفيق التهم ، بقدر الحرص على استقرار الوضع الأمنى فى البلاد بمعرفة النبض الثقافى الذى لا يعادى النظام ، والسكرتيرة علياء الزغبى امرأة تمتلك ذوقًا راقيًا ،وتكتب قصيدة النثر ، وتحفظ قصائد لنزار ولسعيد عقل ولبشارة الخورى (الأخطل الصغير )… ورغم جمالها الأخاذ  وشعرها الأصفر الذى يلفت من أول نظرة ، وجسمها النحيف ، لكن هذا الجسم ليس أنحف من درية إبراهيم …إلخ .وهناك شخصيات أخرى لم تؤثركثيرًا فى بنية النص ، نذكر منها محمود أخو درية لا نعرف عنه سوى شاعر ، شارك فى مظاهرات 18 و 19 وتمَّ اعتقاله ، سوريش العامل الهندى  وهو شخصية إيجابية ، قدَّم مالًل ليوسف ورفض الأخير ،وشاشى العاملة التى كانت تجيد الطهى المصرى ، كانت تاتى لبيت يوسف مرة فى الأسبوع ، تطبخ له وتنظف الشقة ، ويبدو أن من طبيعة عملها إشباع رغبة من تعمل عنده بدليل عرضها نفسها على يوسف ، و الحارس ماهر سمعان  ، وعلى بهادر  الشيعى الذى يعمل مصصما للمجلة ، ويتمتع بخبرة عالية فى الأداء …إلخ .

أما عن بناء الأحداث نجد كثيرًا من الأحداث ييسردها الكاتب بنبض قلمه الفنى خاصة فى المواقف المتوترة ، فى علاقته بمنى وبالجوهرة كان يأتى السرد نابضا نضرا جميلًا ، يسرد للقائه بالجوهرة فى فيلاتها ، اللقاء العاطفى الشبقى ، بداية من وصف المكان ، قالت له  ” آن الآن أن نشرب ( الواين ) فى غرفتى بالطابق الأعلى احتفالا بهذه المناسبة ، وعندما دخل غرفتة نومها الواسعة شاهد لوحة ” الحمام التركى ” للفنان الفرنسى أوغست دومينيك … معلقة فوق سريرها …اللوحة تشتمل على ست وعشرين امرأة يستمتعن بملذات الحمام وقد جعل دومينيك المرأة العازفة فى مقدمة هؤلاء تعطى ظهرها للرائى وكأنها تستدعيه للمجىء معها لتقود عينيه داخل المشهد …فهذه اللوحة ” الحمام التركى ” يشكل مختارات شاملة للمرأة فى كل أوضاعها  المرغوبة ، فهى تتعطر وتكشف ثدييها ، وتداعب نفسها أو جارتها ،وتخفطها ذكرى ، أو وعد الاستسلام المسكر للذة الهوى . (ص 86 )

ولاحظ فى هذه اللوحة أن الفتيات السودوات يخدمن الفتيات البيضاوات ، اقتربت منه وأعطته شفتيها ، وقالت له : ما أجمل هذا العرى فى هذه الغرفة فى هذه الليلة .ابتعدت عنه قليلا وهى تغنى فى صوت شجون ” هذه ليلتى وحلم حياتى ” قالت له : سأمنحك كل شىء وشفرة هذا الجسد الممتع هذه الليلة … أعشق السفر بجنون ، وأعشق الجنس الحنون الذى يغيبنى فى غابات خط الاستواء ثم يرفعنى إلى أعلى عليين ….تعال يا يوسف …أجمل شىء أثاره أصابعها ففى كل إصبع زجاجة عطر ..صعدنا معا وهبطنا ، رصنا وسافرنا وحضرنا ، سكرنا ورجعنا وأفقنا ” ليت أنَّا لا نفيق ” ( ص 88 ) الكاتب يجسد موقفًا موظفًا طاقات اللغة التصويرية واللغة العاطفية المشبعة بمشاعره ، فلا ينقل مشهدًا بقدر ما يصوره لنا ويجسده لنا وكأننا أمام هذا المشهد نعايشه فى الرؤية والاستمتاع به ،ويتكرر مثل هذا المشهد فى الإسكندرية ، حين لحقت به هناك ، بعد جصوله على إجازة ، اتصلت به وأبلغته أنها حجزت جناحين ( واحد لها والآخر له ) فى فندق فلسطين ، اعترض على حجز جناح له فله شقة فى الميامى ، يذهب ليزورها ، ثم يرجع إلى شقته بدلا من إسراف الفلوس … كتب شعرا نابضًا ثريًّا :

جناح من الشوق طيرًا إليك

أحط على ساعديك

حمامة عشق وشوق

تغنى الليالى

ويسكن فجر الغرام

…. بسرعة كان عندها ،ذهب إلى جناحها ، ألقى حقيبته الصغيرة واتجه إليها ، كانت أجمل مما رأها من قبل فى فيلاتها وفى عمان وفى مكتبها فى محل المجلة ” شعرها الأسود الفاحم الطويل ، المنسدل على ظهرها ، يتماوج مثل النخيل إذا هبت رياح الأصيل ، ونهد تمر فوق السرير ، فأصبح شمسا ، تجيىء تروح ، وظلا تكور بين يدى ” (ص 159) ويأتى الحوار مكلمًا المشهد فى صورة شاعرية نابضة بالمشاعر والعاطفة السامية ، تقول :

– الإسكندرية تضفى عليك جمالًا وسحرا من نوع خاص .

– جمالا إغريقيا …إسطوريا ….أنت الالهة فينوس … إلهة الحب والجمال …. بل أنت الجمال نفسه ، أنا بجماليون أشكلك حسبما أريد ،وانفخ فيك من روحى ، فتحلقين فوق سماء المتوسط ، تهبطين بين ذراعى ملاكا وفجرا ”

– انت لم تسكر بعد

– سكرت من خمر جمالك ، ومن اعتدال قوامك ، هيا بنا إلى جناحى الخاص .

طلب منها تذهب إلى جناحه ، فقالت جناح هنا أفضل : رتبت كل شىء هنا .

جمالى وحنانى وربيعى

لأكون بين يديك أميرة تعشق السفر إلى جنان الرضاب .

هيا حبيبى لا تضع وقتا فأنا فى غاية الشوق واللهفة …. أريد أقصى نشوة ….  أحلى شهوة ….لا نضمن ماذا سيحدث فى الغد  ( ص 160 ) ثم يعود للسرد باللغة النابضة الجميلة ، يقول :انتهينا من الغرام ،أشبعتها ما لذَّ وطاب ، من الفعال والكلام ، سافرت غلى كل زوايا الإثارة ، ونبع الحنان ، تفتحت أزاهير الجسد عطرت المكان ، انفعل الضوء والبحر والليل ، اهتزت الأغصان ، غنت الأرض من تحتنا أغنية الحياة ، فكسا الاخضرار أرض البسيطة . (ص 160)

فهنا يلجأ الكاتب لأكثر من تقنية فى السرد منها الرواية على لسان الراوى البطل ( يوسف ) والحوار ، والوصف ، يصف لحظة نزولها البحر معا قبل الغروب ” شمس حمراء تودع يومها ، كأنها تبكى على فراق الناس ، والبحر والشواطىء ، ونحن مثل سمكتين فى الماء تتعانقان ، تنزلقان إلى الأسفل ، ثم تشبان ، تصعدان ، تغوصان ، تلتويان ترقصان ، أحضنها تحت الماء ، أقبلها ، لا أدرى أهذا رضابها أم زبد البحر ….ويعود لتقنية الحوار وبنفس الدرجة من استخدام الغة المتوترة المتشحة بالمشاعر الزخمة النابضة بالحب ، يقول :

  • أنت فى مياه البحر أجمل منك على السرير ،أنت أجمل من حوريات البحر .
  • وأنت سندباد البحر الذى أبحث عنه طول عمرى ، وجدته فى الخليج ، فأبحرت معه ،أشاهد غزواته ومعاركه وانتصارته ، إلى أن أتينا إلى الأبيض المتوسط .
  • المشهد الوحيد الذى أراه الآن أمامى هو أنت والبحر والسماء المرصعة بالنجوم .

ثم يعود للسرد على لسان الراوى ( يوسف ) خلفنا حدائق المنتزه بأشجارها وشوارعها التى كانت هادئة واناسها وعشاقها بين كل شجرتين تجد عاشقين يلتحفان بالفضاء ، أنا والجوهرة ننام على بسط الماء ، مثل صوفيين ينقطعان لعبادة رب السماء …. ولم يرجعا من سبحهما داخل المياه حتى سمعا صفارة الغنذار ليخرح الناس من البحر فى ظلمة المساء مخافة من حدوث شىء لا يحمد عقباه … مثل هذه المواقف تعطى النص زخمًا وجمالًا فنيا ، ومثل هذه المواقف نجده فى لاءاته مع منى فارس ، وخاصة فى كازينو الشاطبى ، منى رمز للمرأة الحلم ، المرأة التى تحبُّ بصدق ونقاء ، ونعيش معها لذاذات الأحلام والمنى ،  حلم مع منى بمجلة ثقافية يكون فيها رئيس تحريرها وتكون منى ذراعاه الأيمن والأيسر .. أحب منى من أعماقه وتقابلا – غير مرة –  فى كازينو الشاطبى وكانت قد أحضرت له كوزين من الذرة المشوية التى يحبها ، وبعدها سمعت قصيدته :

وشاوى الذرة

يخبىء ما نضج من أجلنا

ومقعد حب أقيم لنا

فما خطبنا

وانت هناك …. وقلبى هنا  ص 23

ونلاحظ على مقطوعات الكاتب الشعرية أنها تأتى معبرة عن اللحظة المعيشة فى صورة بليغة رائعة ، وتأتى منسجمة مع لحمة البناء السردى ، وياتى السرد على لسانى معبرًا عن جمال اللحظات والعلاقة مع منى ( المرأة الحلم )ما زلت متحفظا مع منى ، ولم ألمس جسدها المتوسطى ، فلم نمارس فى لقاءاتنا سوى ملامسة اليدين والضغط على الكفين ، والقبلات السريعة التى لا تشفى نداءات الجسد الفوار . (ص 31 ) … وقد اكتفيت بهذه النماذج للوقوف على شعرية السرد فى بناء الأحداث .

ولكن حين يلجأ الكاتب إلى نقل الوقائع فى صورة حكائية ، فلانجد فى النص روعة الفن وجلاله ، وقد يستطرد فى الحكى بعيدًا عن مجريات الأحداث ،كحديثه عن الصحافة فى الإسكندرية ، فيصفها بأن عمرها قصير ، فلا تستمر المجلة ولا الجريدة أكثر من أعوام قليلة أو أشهر معدودة ، ولا يوجد فى الإسكندرية رئيس تحرير بحجم محمد حسنين هيكل ، ولا مصطفى أمين ، ولا موسى صبرى رغم أن جريدة الأهرام تم تأسيسها من الأخوين بشارة تكلا وسليم تكلا عام 1975 بالإسكندرية ،ثم نقل المقر إلى القاهرة عام 1889 ، لتستحوذ عليها ، وتعلن زعامتها فى كل المجالات ومنها عالم الصحافة…وكحديثه عن أهمية دور المحررين الصحفيين ” المحرورون هم عقل المجلة وسيظلون المقربين غلى رئيس التحرير ، رغم مرور العمل الصحفى بأقسام أخرى فى المجلة ، قسم الصف على أجهزة الكمبيوتر ،التنسيق ، الإخراج الفنى ، المراجعة اللغوية ، الدعم الفنى ، السكرتارية ، قسم التوزيع والاشتراكات ، الترجمة ، المكتبة ،الأرشيف ، المعلومات …إلخ .وحديثه الطويل عن البتراء ، أنا النبطى القادم من أغوار التاريخ والكتبى الذى رأى ما لم يراه أحد ، غيره من الأحجار والصخر ، منى عرف الفراعنة سر بناء الأهرام من الأجحار ، فبنوا معابدهم ومسلاتهم ، ونقشوا على الأحجار مدوناتهم …لقد شيدت مدينة فى قلب الكاملة فى قلب الجبال والصخور ، حفرت مساكن قبيلتى وأبنائى فى اعماق الجبل الصخرى الشامخ ، الذى يتحدى الدنيا وصواريخها ،وقنابلها التى سيخترعها احفادى فيما بعد . (ص101 )

لقد دونت كل هذا فى صحيفتى التى أطلقت عليها اسم ” الكتبى ” حيث لقننى ربى الكتابة على الصخر ، والنقش على الأحجار ،بعد آلاف السنين سيأتى أحفادى فى الأردن ليصدروا نشرة تعريفية تصدر عن الهيئة العربية للثقافة والتواصل الحضارى ” بيت الأنباط ” ويدشنون على شبكة الإنرنت معلومات وافية عن نشاطاتهم …وينظمون المؤتمرات عنى ،ويصدرون الكتب (ص 102 ) اكثر من هذا يتحدث عن أهم الكتب التى قرأها عن هذه المملكة ” تطور الخطوط والكتابة العربية من الأنباط إلى بدايات الإسلام ” ألفه بياترس جرندلر ،وقام بترجمته الدكتوران  سلطان المعانى وفردوس العجلونى ، وبعدها يتحدث عن منهجية الكتاب وقيمته فى اتباع المنهج العلمى الصارم ، والدقة ، وفى احتوائه على خمسة فصول وملحق به رسومات توضح تطور الحروف العربية ، وفضل الأنباط فى هذا التطور ، وهناك كتب أخرى عن الأنباط ومدينتهم ولغتهم يمكن معرفها من زيارة هذا الموقع  www baitalanbat.org

ويتحدث عن كتاب عهد الحارث الرابع ،  كتاب مملكة الأنباط للدكتور خالد الحمورى ، عرض فيها لجغرافية المكان والعيش فيها والعادات الاجتماعية وصور الزواج وحالات الطلاق القليلة التى تمت …وحديث طويل عن جلال هذا المكان ومدى اندهاش الزائرين به ، وان إحدى هؤلاء الأجنبيات احتضنت تمثالا لامرأة جميلة ، تمثال أم أبناء هذا المكان …ويتوالى السرد عن البتراء وتجليات الكاتب عن جمال هذا المكان وجلاله والإعجاب الذى يستحوذ الزائر له …ويذكر كتاب ” حضارة الأنباط من خلال نقوشهم ” للدكتور أحمد العجلونى ، ذكر أن الرحالة بير كهارت هو الذى اكتشف هذه المملكة ، عام 1812م موضحا دور الرحالة فى اكتشاف مثل هذه المواطن الأثرية .

و منها عرضه فى نهاية الرواية لمقالة له عن ثورة 25 يناير ، أسبابها ، ومفجرها ، وتتابع الأحداث ، وتنحى الرئيس ، ومليونيات التى كانت تُقام أسبوعيًا …إلخ .

فالسرد – بهذه الصورة – أشبه بمقالات يكتبها صاحبها فى يومياته الخاصة ،أما عالم السرد فيحتاج إلى الحكى والقص للأحداث ، بروح الأديب المبدع أكثر من روح الحاكى المؤرخ .

الزمن فى النص هو الزمن الادبى ( شىء يعطى فى الوجدان مباشرة على حد تعبير أحدهم )  يبدأ بإخباره للعمل فى المجلة ، وينتهى بإجازة إلى بلاده فترة ثورة 25 يناير ، ونجد استرجاعا خارجيا عن بنية النص فى استدعائه لأول مرة عمله فى الصحافة ، وهو طالب بصورة تطوعية ، لإشباع رغبته ، فعمل رئيس تحرير لمجلتين هما : إشراقة  دعوة للتأمل ، ويتذكر مشاركته فى أحداث مظاهرات 18 و 19 يناير عام 1977 م ، والمحاولات الأولى للنشر بمجلة الثقافة الجديدة بليبيا ، واستدعائه لعمله رئيسا لتحرير مجلة ” فاروس للآداب والفنون ” التى تصدرها جماعة فروس الأدبية 1980 م فترة وجيزة ، وبعد ذلك تُبنى الأحداث بناء طرديا ، أى بالتسلسل والتوالى … ولا نستطيع تحديد الفترة الزمنية بالضبط ، ولكنها فترة قصيرة لا تتجاوز السنتين … يدلل على ذلك أنه لم يحصل على إجازة فى العمل ، وعندما حصل على إجازة فكر فى الرجوع ،أو عدم الرجوع ….أعتقد عدم الدقة فى تحديد الزمن جعل الزمن انسيابا ، فالنص يروى لمثالب فى مجال الإعلام ، ينسحب على كل زمان ومكان فى بلادنا ، وتتعدد الأمكنة فى هذا النص السردى ، الإسكندرية ، الدولة التى عمل بها ،أبو ظبى ، عمان ( فى الأردن ) ويلعب المكان دورصا فاعلًا فى بنية الحدث ، الإسكندرية مكان أليف ، مكان النشأة ، ولقاء الأحباب ، وإن لم يقف طويلًا على أهله ، اللهم إلا أمه التى قابلت بتحان بعد رجوعه ، واعترضت على شرائه لشقة فى محرم بك ، لوجود حجرته على ذمته ، وفرحتها بلقائه ، وجمال الأسكندرية كان خلفية للقائه بمنى فارس ، ثم الجوهرة ( فى فندق  فلسطين ) ونزولهما البحر ، وكانت له لقاءات جميلة مع منى فى كازينو الشاطبى على البحر ، أما مكان دولة العمل فلا نجد ألفة فى المكان إلا فى فيلا الجوهرة ، هذا المكان وصفه الفخامة والجمال والذوق الرائع لصاحبته فى تأثيثه ومقتنياته ، فقد قضى فى هذا المكان لحظات حميمية رائعة مع محبوبته ، وفى أبى ظبى كان اللقاء بمنى وإجراء حوار صحفى معها ، واختتمت اللقاء به هناك بتركها ( تلفون محمول له ) وفى عمان كان جلال الماضى ، هو الساحر ، ومصاحبة الجوهرة له هناك كان منعشًا له ، لقد كتب نثرا لا يقل عن جودة الشعر فى تجلياته لجلال المكان هناك ” كأنى كنت هناك منذ آلاف السنين ، حينما كنت أعيش فى العصرالحجرى ،لم أجد أروع من البتراء لأسكن فيها ، وأعيش فى كهوفها الصخرية الوردية ، متحصنا من هجمات الرياح والأمطار والحيوانات المفترسة ، كأننى كنت أسير بين الجبال الشاهقة ،أمشى فى الشوارع الحجرية ،أنشد شعرًا فى المدرجات الواسعة ، أشاهد الأنثى على فطرتها الهامسة ، أنظر فى عينيها الواسعتين ، كبحرين ونهرين يفيض الماء منهما ، فأشرب ويشرب معى الصخر اللازب ، فيذوب رقة وحنانا .( ص 100)

وجاءت اللغة ـ أحيانا – مطعمة بالشعر ، الذى يدلل على شاعرية الكاتب ، سواء فى الشعر الذى يرويه على لسان يوسف ، كقوله لمنى فى نهاية الرواية متذكرًا للقائهما فى كازينو الشاطبى وكتابته شعرا عن عينيها :

عيناك سموات سبع

وأنا كيف أصلى لهما

عيناك تضمان البحر

وأنا موجة عشق تسبح

لكن تجهل أين الشطُّ

أو فى اختياره لأشعار أخرى ، كما حدث عندما زار بغداد فى مؤتمر عن ثقافة الطقل ، بعد تغير الحياة هناك بعد الغزو الأمريكى للبلاد ، تذكر أبياتا لعلى الجارم ضمن قصيدة منارة المجد :

أتعود بعد تصرم ونفاد     أيامُ بغداد إلى بغداد

كنت محطا للعلوم وأهلها    وقرار للمجد والأمجاد.إلخ

ولكن يرد على الشاعر جليل البيضانى بقوله :

بغداد

سرقوا أقراط محبتها

وافتضَّ جنود المارينز بكارتها

وبديلا عن أورق التوت

اعتمرت قبعة

لتغطى عورتها …إلخ  128.

فالشعر يخدم بنية السرد ، ولا يأتى مجتلبا على لحمة النص ، لقد عبر الشعر عما آل إليه حال البلاد ، واختزل السرد الذى كان يحتاج إلى صفحات من الوصف .

رئيس التحرير نص جيد جدير بالقراءة ، نص له مذاقه الخاص ، يثير ساكنًا فى نفوسنا ، وفى حياتنا ، ألا وهو لماذا يستشرى الفساد بهذه الصورة ؟! حتى المنبر الذى ينبغى أن يكون صادقًا شفافًا ، نجده مثقلًا بحمل كبير من الفساد ، فيضيع رسالته وقيمته ، فالأدب نقد للواقع ، ودعوة للوقوف على مثالبه ، لا بالصورة التقريرية الفجة ، ولكن بصورة فنية موحية ومؤثرة ، وقد كان فى هذا النص .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لم تتصل به منى فارس ، فكر كثيرًا فى الاتصال بها ، لكنه تراجع ، هل تتابع مقالاته ، هل تعرف كم هو مشغول بها ، هل تحس انها موجوة داخل كل سطر من مقالاته ،هل تشعر انها داخل كل تفعيلة من شعره ؟!

 

اترك تعليقاً