رجوع الشيخ (سأموت مع كلمة النهاية) اعتقاد راسخ لدي أحمد رجائي، ذلك الشيخ صاحب الاسم المركب والحياة المُعقدة المُشتتة، ذلك الغريب الفكر والأطوار. • رواية (رجوع الشيخ) لمحمد عبد النبي، ما هي إلا شتات لروح هائمة، لا تعرف لها وضعًا بين الماضي والحاضر؛ بين ماضٍ يحمل الكثير من الألم وحاضر أكثر ألمًا، ومستقبل يُصر صاحبه على أن يكتبه هذان الشابان بجرة قلم( أحمد رجائي الشاب ـ مني البربري رمز الشؤم)،ويتحكمان في مصيره. • أحمد رجائي الشيخ يقرر كتابة قصة حياته بعد عدة محاولات فاشلة للكتابة، ولكنه يخاف أن تنتهي حياته عند الوصول لكلمة النهاية (سأموت مع كلمة النهاية )، وقد عزم على الكتابة حين أحضر دفترين من مكتبة أرابيسك وذهب بهما إلي البار. • تبدأ الرواية بأولي عقده (عبد المتعال أفندي دنيا ـ والده ) وذلك فى الأربعينيات، وزواجه من فتاة لا يعرف عنها شيئًا؛ حيث ذهب إلي قريته لاختيار عروس، وقد وضع شرطًا للاختيار( الحلاوة رقم واحد في أولوياتي)، وقد اتفق مع عمه على فعل معين حين موافقته، ويسير بنا حول الجلسة وما صارت عليه الأمور، حتي انتهي برفضه للقهوة ( العروس) واستبدالها بالموز( عروس أخرى) ( الحزم من صفات الأب ـ سبب من أسباب أزمته معه). • ثم يعرض لنا صفات الوالد فى بداية الرواية، مما يظهر أسباب الأزمة( إخلاص فى العمل ـ تصوف ـ بخل ـ شدة في التعامل ص) • أما الرواية كعمل فني فتنقسم قسسمين، كل منهما كُتب بطريقة مختلفة وحرفية مختلفة، ويظهر ذلك في الدفترين: • الدفتر الأول: فطريقة السرد طريقة جديدة؛ حيث يخصص بطل الرواية نصفها الأول؛ ليشاركنا وضع عناصرها وأفكارها المشتتة المبعثرة، فيسرد لقطات من قصة حياته متنقلًا بين الأزمنة المختلفة …… ولكنها لقطات عابرة لا توضح سيرته. ولكنه اختار أن يشترك آخرون معه فى استكمال الرواية ويترك لهما إنهاء حياته بجرة قلم . • كما أنه في أحيانٍ كثيرة يفرض قصصًا جانبيةً محتملةً، وسيقرر اختيار إحداهن في النهاية. • أما الدفتر الثاني: • فالسرد فيه مختلف( مقاطع) وقد تكون الرواية لا تظهر ملامحها إلا فيه؛ حيث يتبع أسلوب الحكي المتواصل، مع التنقل عبر الماضي والحاضر؛ حيث يبدأ بعرض الحكايات المختلفة للأشخاص الثلاثة، وتظهر حكاية كل بطل وعقدته، وعقدته هو شخصيًا( عقدة نفسية ـ أزمة وجودية ـ). ويستعرض هنا فكرة أخرى، وهى فكرة أن يتحكم أحد فى تفاصيل حياته، كما يعرض العديد من الأمور الفلسفية والأسئلة الوجودية، التي تصدر عن أشخاص الرواية بحكم تعرضهم لظروف مأساوية ( مني البربري وفكرة التمرد علي الذات) وأحمد رجائي الصغير، وحكايته وبحثه عن ذاته. كما يعرض للكثير من الأفكار غير المكتملة؛ فصار الموضوع أشبه بالمتاهة فلا نعرف من أين بدأ ولا أين ذهب ولا عن أي شيءٍ يتحدث. • كما يوجد بالرواية الكثير من الأحلام والخيالات، والكوابيس الغامضة ( حصن أخر لم يفلح فى حمايتى من الرواح الشريرة التي تتلاعب بي، ولا من العوالم الأخرى التي أذهب إليها حرًا مختارًا …… ). • كذلك( عندئذٍ أدركت أننا نبالغ أحيانا كثيرة، فى تقدير حجم العفاريت فى الليل بسبب الظلام والخوف، وإذا ما أضأنا نور الغرفة لن نجد غير وجهنا المفزوع فى المرآة ). • يحاول جاهدًا إظهار النفس البشرية الممتلئة بالتناقضات والمتغيرة دائمًا، ويعبر عن ذلك بتغير خطه المستمر، كما يظهر النفس وإغراقها في الذاتية وفلسفة الواقع. • كما يحاول إثبات اختلافه وتحليله لذاته، وكذلك إحساسه بالفصام.. • كان حريصًا على تعريف الروائي في مواضع كثيرة( في ست صفحات) • هناك شخصيات يمكن الاستغناء عنها دون التأثير على أحداث الرواية ( رمضان صاحب محل الاتصالات). • أما عن الألفاظ: هناك تأثر بالقران ( قصة سيدنا يوسف )واختيار اسم ( هيت لك ) ثم تعديله ( قمر كنعان)، وكذلك الحديث الشريف ( أى بني سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك . تمهل ، قبل أن تنزل إلي محطة المترو ..)وذلك في محاولة بائسة منه لإضفاء صفة التدين علي شخصية الرواية وهذا لا يتناسب مع شخصية( أحمد رجائي)، ذلك الدنجوان، مما يعد تناقضًا واضحًا. • هناك الكثير من الألفاظ العامية الدارجة ( اللحاف ـ من يرفسها يعمي) ـ ( يلا خليه ينبسط هو ومني) ـ ( ينهد ويهمد) ـ ( أوصل لحد المكتبة ) • أما الألفاظ النابية فمنها الكثير والكثير بين طيات الكتاب. • أما الألفاظ والايحاءات الجنسية: فالرواية بها تصريح واضح للكتاب الجنسي ( رجوع الشيخ إلي صباه) بل واتخذ منه اسما للرواية. • تعد الصفحات الأخيرة الصفحات الأكثر فحشًا فى ألفاظها؛ حيث بها نقل لمقاطع كاملة من كتاب (رجوع الشيخ لصباه) مما لم يضف للرواية بل أخذ منها، بداية من ص198 إلي ص204 . • الخلاصة: • لا علاقة للرواية بالغلاف ولا يدل علي محتواها؛ فقد طُبع لكل طبعة غلاف، كلاهما لا يعبر عن المضمون. • الرواية مختلفة وطريقة السرد مختلفة، والفكرة جيدة لكن الطرح لم يخدمها، بل زاد القارئ تشتتًا وتيهًا؛ والسبب الحكايات المزدحمة الكثيرة، التي اقحمها الكاتب في الرواية؛ وبذلك ( يغيب كل شيءٍ في نفخة هواءٍ أخيرة). • لا أجد مبررًا واضحًا للألفاظ النابية والتلميحات الجنسية، ومع تتبع الكاتب وروايته الثانية؛ وجدت أنه لا يقدم إلا أدبًا رخيصًا؛ فالرواية الثانية له (في غرفة العنكبوت) تتحدث عن الشذوذ الجنسي وبنفس الإباحية، فمن الواضح أنه الخط الكتابي واللون الذي اتخذه الكاتب ليسير فيه. • السؤال الموجه للكاتب هنا: هل هذا هو الفن في نظره؟ وما وجه الاستفادة من ذلك؟ فالمجتمع لا يحتمل؛ فهو ملئ بالأفعال غير الأخلاقية. ألا يكفي شبابنا ما يقلدونه من ثقافات الغرب حتى نقدم لهم الإباحية على طبق من ذهب؟!!! لنا ولهم الله.