“جبل النرجس لن يعصمنا من جشع الدنيا وأطماع الأنفس المريضة”
انطلاقا من جملة على لسان أحد أبطال القصة تتشكل جغرافية المكان الذي لم ينفصل من خلال العالم القصصي لسمير الفيل حاملا معه كل الدلالات التي ترتبط بثقافة معينة أو رؤية خاصة لعالمه المحيط به الذي غالبا ما يستقي منه حكاياته
وفي ذلك ترى “جوليا كريستيفا” أن الفضاء الجغرافي لا ينخلع من دلالاته الحضارية ولابد أن يُدرس في علاقة مع النصوص لحقبة تاريخية محددة.
المكان في مجموعة “جبل النرجس” لم يأت مصادفة أو عن عدم قصد بل أخضعه الكاتب لشروط معينة وسيولة زمنية احتل فيها أهمية مركزية باعتباره القاعدة التي ارتكز عليها النص زمنا وحدثا وشخصية، وكان الشاشة المشهدية العاكسة لفاعليته .
والفضاء المكاني في مجموعة “جبل النرجس” يختلف في كل قصة حسب أحداثها وشخصياتها
ك”عين حلوان” و”جبل النرجس” والأماكن الأكثر تفصيلا التي كانت نسلا يشكل مجتمعا ينتمي تحت عنوان المجموعة كشارع النقراشي والمقهى والغيط
وكانت البداية من الأرض البكر والرمال البيضاء التي تشبه في دلالتها أرض الحساب ونسل آدم يتحاجون متمثلين في أشقاء بطل “جبل النرجس“، والتي قد تدنست بخيانات البعض وتخضبت بدماء زوجة العياشى
بالرغم من انتماء أغلب قصص المجموعة إلى الكتابة الواقعية، لكن القارئ لم يتوجس من نمطية سرد هذا النوع حيث أن سمير الفيل يقتحم عالم القص بروح نضالية ملتزما بالمعنى الواقعي لمفهوم وظيفية الأدب مستغرقا في خارطة الحياة منقبا في أزقتها المهجورة.
ويظل الطرح والتناول رافدًا من روافد الشخصيات ومعاناتهم أو انفعالاتهم وإذا كانت السمة الغالبة في المجموعة تلك الواقعية المرتكزة على حدث وانفعال فقد ساندتها الموضوعية في كثير مما تعرضت له مما يزيد القصص ثراءً، ويضعنا أمام واقع جديد يعيد صياغته وفق منهج وكتابة تخصه وحده يلتزم فيه الإنسان متخذا من ذاكرته عالم متقد الوعي تسم بثراء حكائي ومن ذاكرة مدينته شخصيات يغوص بداخلها.
كان استدعاء الموت لافتا في المجموعة بل واقتحام الموتى أنفسهم للسرد حتى كان الكاتب يعتذر ضمنيا للقاري
وتلك المفارقة التي لم تجعل المجموعة سوداوية بل على العكس برغم اقتحام الموت لها
بل توهجت قصصه بالطرافة لكثيرمن اللقطات الدرامية ، ولكن البناء الفني بحس عفوي ناضج قد صنع لها الدهشة والتشويق وصدى الانفعالات التي ترتد في نفس القارئ.
وكما السحر في واقعية “إدوارد غالينو” كان لسمير الفيل سحرية خاصة في قصة “حكايتي مع الجارية”
تلك الانسيابية المتدفقة مع الفكرة الجديدة الجريئة رغم أن القصة كتبت من ثمان سنوات، فكثرت المقاربات والتجاذب بين خطاب السارد والشخصية جعلت القارئ يجري بين الكلمات ليصل إل النهاية التي تركت مفتوحة
“نصوص الحكاية” تلك سمة في قص “سمير الفيل” يستعير أو يستدعي خياله الحكايات بكل أبعادها الأسطورية أو الشعبية أو يُخّلق من الحياة اليومية قصصا وحكايات فيما يراها كتخيل سردي دسما ربما لا يغري إلا إياه فقط فيحولها لحكاية ثم سردية قصصية
وهنا تتميز لغته السردية المصبوغة بصيغة حكائية وسير ذاتية على مستوى الضمائر المتنوعة المتداخلة بشكل لا يضخم من الذات السردية في حين أن أسلوب السرد الذاتي وهو الأكثر في المجموعة كان يذوب في الشخصية نفسها ليشكل وحدة سردية متلاحمة
أما على مستوى الأفعال فبين الماضي والحاضر كما يستدعي تغيرات الزمن القصصي وعل مستوى الوصف فاتسمت بالتلاحق وسرعة الإيقاع حتى في كثر القصص طولا ك”البلكونة” و”معطف المطر” حيث قسمها الكاتب كمتوالية زمنية.
و كان للشخصيات تفرد من خصوصية عفويتها وفطريتها فهي بكل جدارة شخصيات تبتكر نسيجها القصصي وتبني خصوصيته .
إن قص “سمير الفيل” محيط حيوي لإبداع له سماته الخاصة قد يكون محفوفا بمخاطر النمطية لكنه اجتهد في تحريره ، ونجح في خلق جسد فني ينفتح على آفاق جديدة للقصة القصيرة سوف يؤرخ له الأدب بما يحمل اسمه فقط
.