قراءة فى كتاب ( رغم الفراق لنور عبد المجيد ) بقلم : نسرين محمد يوسف

رغم الفراق ….. نور عبدالمجيد
( الحب في الفراق لا يموت) عبارة موجعة، وقد يجدها البعض لمحة من جنون، ولكنها الحقيقة حين تقابل حبًا صادقًا وتفارقه، فالفراق ليس سببًا للبغض أو لضياع الحب، فربما يولد مع الفراق حبًا أكبر يحيا ما بقي الإنسان علي قيد الحياة.
ـ (رغم الفراق) رواية للكاتبة ( نور عبدالمجيد)، التي أبدعت ووصلت عنان السماء في وصف المشاعر والأحاسيس، بدايةً من مشاعر الأخوة ومرورًا بالحب النقي وانتهاءً بمحطة الفراق.
ـ تحدثت الكاتبة في روايتها عن (عايدة)ـ تلك اليمامة التي يعشقها كل من حولهاـ التي تُوفي والدها ووالدتها في حادث، ونجت هي منه، وقام عمها بتسليمها ( لهدى هانم أباظة) ابنة الوزير السابق لتقوم بتربيتها ـ هدى هانم حُرمت نعمة الإنجاب هي وزوجها عبدالمنعم شيرازي لمدة خمس سنوات ـ أخذتها وهي تبلغ من العمر خمس سنوات، ثم يكافئها الله بحملٍ ويهبها ( هاشم ) الذي تعتبره هدية الله لما تقوم به ( تربية يتيمة).
ـ تنشأ عايدة مع هاشم ودينا ـ جارتهم في العمارة ـ ويعيشون جميعًا في منزل واحدٍ بل قل في غرفة واحدة، بل في سرير واحد أحيانًا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث تتفاجأ عايدة بعمها يأتي ليأخذها إلي بلدتها بالمنصورة دون سابق إنذار، ثم يبلغها أن ذلك بِناءً علي رغبة هدى هانم وعبدالمنعم بيه، ويقوم ذلك العم بإتمام خطبتها لذلك القادم من لندن حاملاً الجنسية، ويتم الزواج في عشرة أيامٍ.
ـ تسافر تلك اليمامة (عايدة) مع ذلك المجهول (صلاح) ولا تعلم سر معاملته لها بجفاء، وتسأل نفسها كثيرًا (هل هو فارق السن أم الجهل القائم بينهما عن صفات كل منهما …) وهناك تنتظر عايدة مأساة جديدة!!!
ـ لم يكن بيت صلاح سوي حظيرة……. بل أسوأ كثيرًا …. وتتعرض معه للكثير من التعذيب النفسي والجسماني، الذي لا تدرك له سببًا، بالإضافة للبخل الشديد، مما يضطرها للتفكير في البحث عن عمل.
ـ تسير بها الحياة بل عواصف الحياة مع صلاح، حتي تستيقظ يومًا علي صراخ وجلبة بصالة البيت، تخرج تتحسس الموقف؛ فتجد سيدة جميلة تتحدث الإنجليزية يدور بينها وبين صلاح معركة سباب شديدة، تسمع فيها عايدة أقذر الشتائم المتبادلة، وتترك تلك السيدة طفلاً رائع الجمال لذلك المسمى عرضًا ـ ببني آدم ـ وترحل مسرعة، يريد ذلك ( الصلاح) إلقاء ذلك الملاك بالخارج غير مبالٍ، رافضًا تحمل مسؤوليته كأب، ولكن قلب عايدة لا يحتمل؛ فقد رأت فيه طفولتها يوم جاء بها عمها لهدى هانم ، فقررت الاعتناء به، فتخرج للعمل لدي شوداري صاحب المقهى المجاور.
ـ تنشأ بين عايدة وآدم الكثير من المشاعر والأحاسيس، فيكون ابنًا لها وصديقًا مخلصًا، يقضيان معا أجمل الأوقات، بعيدًا عن صلاح، حتى يتغير مجرى حياتها حين تجد هاشم أمامها، وقد تركت كل شيءٍ وتذهب معه يوميًا للاستمتاع بلندن، وشوارعها ومتاحفها وكنائسها ومبانيها كما كانا يحلمان، وقد عاشت أجمل أيام حياتها هي وآدم الذي أصبح جزءًا من تلك الأسرة (أسرة هاشم وعايدة وهدى ومنعم)، ومرت الأيام كالحلم الذي لا يُكدر صفوه سوى (صلاح).
ـ يعود هاشم وتبدأ رحلة عذاب عايدة؛ فقد أدركت حبها لهاشم، لم يكن حبًا أخويًا كما كانت تظن ، وهذا ما شعرت به من هاشم أيضًا، وتبدأ معاناتها مع صلاح، الذي يؤذيها بتلميحاته وغضبه المتصاعد علي هاشم وعليها كلما شاهد وجهها، ولا تجد عايدة من يساندها في محنتها غير ( توني ) ذلك الطبيب الثري، الذي تقابله هناك وتنشأ بينهما صداقة، بل تعتبره والدها، إلى أن تكتشف أنها تشبه ابنته المُتوفاة، وهو مَنْ يعمل علي مساعدتها بعدما تقرر الانفصال عن صلاح بعد عملته الشنيعة، فقد اتصل بهدى وأخبرها بأن هناك علاقة آثمة بين عايدة وهاشم، ولم تكن عملته هذه إلا حيلة انتقامًا من عايدة، التي يجد في عينيها نظرة كبرياء وتحدٍ تقتل رجولته المزعومة كل لحظة.
ـ وعلي إثر تلك المكالمة تدخل هدي المستشفى فتموت علي الفور، بعد أن تأخذ العهد علي هاشم بعدم الزواج من عايدة، وتبدأ مأساة جديدة شاملةً هاشم وعايدة (قلوب أنهكها القرب)، ومن هنا يقرر هاشم معاقبة نفسه بعدم الزواج من عايدة، وخطبة غيرها، وبذلك يقتل عايدة بيده……. ويحل بينهما الفرااااااق.
ـ ولكن عايدة ذلك القلب الرقيق تبدأ حياتها من جديد، تكسر ألم الفراق بهوايتها، بالكتابة فقد كانت تجيد كتابة الروايات باللغة الإنجليزية، ويساعدها في ذلك توني الذي انتقلت عايدة وآدم للعيش معه، ومع زوجته كرستين وحفيدهما بيتر.
ـ تظل عايدة تنتظر هاشم علي أمل اللقاء يومًا ما ويظل حبه بقلبها كبيرًا رغم الفراق (في العشق قد يصبح الحب أكبر، وقد يحيا عمرًا أطول، ويصنع نجاحات وينير دروبًا وطرقات، إذا ما حل به الفراق…)
ـ بالرواية فراق من نوع آخر؛ وهو فراق نجوى لابنتها دينا، وهو فراق لا يُحتمل؛ فقد خرجت نجوى متسللةً خارج المنزل، وهي تُعاني من مرض (الزهايمر)، وتعتبر دينا (حسن) مسؤولا عن ذلك؛ لإهماله وغفلته وهنا ينشأ فراق آخر…. حين تبتعد دينا عن (حسن) ولا تستطيع العيش معه، حتى يترك لها البيت بل مصر كلها ويرحل في انتظار العفو..
(الفراق مش نهاية …. الفراق مش عقاب …. من الفراق ممكن تتولد الرحمة والغفران … من الفراق ممكن نشوف ونفهم ونقدّر….) دينا وحسن كلاهما جريح، وكلاهما حزين ولا دواء لهما إلا الرحيل والأيام.
ـ الرواية في مجملها رائعة، محكمة النسج، فالأحداث تتصاعد مع الوقت، أما الوصف والتصوير فقد جاء ممتازًا..
ـ أبدعت نور عبدالمجيد في وصف الأشخاص، فجعلتنا نتعاطف مع بعضها، كما نشعر بالتقزز من البعض، وكذلك أبدعت في تصوير مشاعرهم وأحاسيسهم، والحوارات الداخلية والحالة النفسية لكل شخصية.
ـ جاءت شخصية (عايدة)ـ الشخصية الأساسية في الروايةـ مثالية تمامًا لما أرادت الكاتبة التعبير عنه، فعايدة ملاك صغير نشأ في كنف اليُتم، ولكن حين نشأ في أسرة سوية أعطت وبلا بمقابل، ونتيجة اليتم أصبحت مشاعرها رقيقة؛ مما جعلها تحب من حولها وتساعدهم بل وتكون سبب لسعادتهم، حتى أنها ربت ابن زوجها ( آدم ) ذلك اليتيم الذي رأت نفسها فيه؛ فأحبته وعطفت عليه بل وكانت أما له عوضًا عن (ماري) أمه الحقيقية التي ماتت بالسرطان.
ـ ( هاشم) الشخصية الثانية في الرواية، أجادت نور وصف النار المستعرة بقلبه، والصراع القائم داخله، حيث حبه لعايدة وبعده عنها ، ثم عهده لوالدته بعدم الزواج منها، حيث اعتبر حبه لها سببًا في موت والدته، وزواجه بها خيانة للعهد ، فيعيش مضطرب المشاعر قتيل القلب جريح الفؤاد.
ـ ( دينا ) رقيقة المشاعر تعيش مع والدتها، ولا يظهر الصراع الداخلي لها إلا حين تفقد والدتها؛ فتتكون مشاعر متضاربة تجاه حسن حبيبها، الذى تعشقه، وبين حسن الذي تسبب بإهماله في خروج والدتها المريضة ( بالزهايمر)..ولا تستطيع دينا العيش معه أو استكمال حياتها.
ـ ( حسن) حبيب دينا ومؤنس وحدتها، يبدأ الصراع معه مبكرًا؛ وذلك حين تطلب منه دينا العيش مع والدتها، ويكون هو في حيرة بين حبه لها وخوفه من والدتها( نجوى) فهي مريضة ولا تحبه، وصراع آخر حين تخرج ( نجوى) وتحمله دينا نتيجة ذلك، مما يجعله يترك المنزل ويعود للعيش مع والده، ثم يرحل تاركًا مصر كلها، كذلك الصراع الداخلي حين فقد وظيفته.
ـ ( هدى هانم ـ عبدالمنعم شيرازي) كلاهما صاحب سطوة ومال ونفوذ، قاما بتربية هاشم وعايدة تربية صحيحة، ولم يتخليا عنها حتي بعد سفرها، وتحملا الأمانة كما يجب، ولم يكن هناك ما يعكر ذلك سوى حب هاشم لعايدة واعتقاد هدى بأنه حب مكتوب له الفشل، فهما أخوان نشأ في بيت واحد، كما أنه من غير المناسب زواج ابنة السائق من هاشم سلسل الوزراء. نشأ الصراع الداخلي لدى هدى هانم حين أخبرها ( صلاح) ـ كذبًا ـ بأن هناك علاقة آثمة بين هاشم وعايدة، مما يجعلها لا تتحمل الصدمة وتموت.
ـ ( صلاح) شخصية مريضة نفسيًا، مستغل بخيل لا يمكن تسميته برجل، فهو يرمي لها بعض الجنيهات ولا يهمه من أين تأتي بالأموال، جعلتنا نور عبدالمجيد نكره ذلك الكائن بل ونتمنى أن تتخلص عايده منه، بل نتمنى موته في أحيان كثيرة، يتزوج بإنجليزية للحصول على الجنسية ثم يتملص من مسؤولياته، ويرفض ابنه بل يكاد يُلقي به في قارعة الطريق، فهو لا قلب له، يكره نظرة عايدة ويكره الكبرياء فيها، يريد إذلالها، ولا يقترب منها إلا حين يكسرها ليحيي رجولته المزعومة، إن أحببنا تسميته ظلمنا الحيوانات فهو أقبح وأقذر المخلوقات…..شكرًا نور أجدت وصفه.
ـ (تونى وزوجته) أحبا عايدة حين وجدا فيها ابنتهما المتوفاة، احتضنا عايدة وآدم ووقف بجانبهما، وخلصاهما من صلاح، كما ساعدها توني حين بعث روايتها لإحدى دور الطباعة، التي يمتلكها صديقه.
ـ جعلت من الرواية فيلمًا سينمائيًا يُحيك القارئ مشاهده، ويتعايش معه بكل تفاصيله، ويتحرك قلبه مع كل شاردة وواردة لأبطاله.
ـ أما اللغة فقد انتقلت ما بين الفصحى والعامية المهذبة لا المبتذلة.
ـ العنوان جاء مناسبًا للرواية معبرًا عنها، أما الغلاف فيحتاج للتغير ليكون أكثر تعبيرًا عن المحتوى.
ـ ناقشت الرواية العديد من القضايا المهمة، منها:
1ـ العلاقات الزوجية المهشمة المحطمة، الناتجة عن عدم التكافؤ الفكري والثقافي والمادي والعمري…..
2 ـ قضية التبني وما يترتب عليها من مشكلات.
3 ـ زواج الريفيات من المغترب العائد من الخارج، حاملا جنسية أخرى، دون سابق معرفة به.
4 ـ زواج العرب من الأجنبيات للحصول علي الجنسية، وما يجره ذلك من مشكلات ومسؤوليات.
5ـ قهر المرأة وما تتعرض له من اعتداء نفسي وجسماني.
6ـ لحظات فارقة يمر بها كل منا، وقد تكون سببًا في تغير حياته.
ـ هذه الرواية هي الثالثة من جملة أعمال الكاتبة ( نور عبدالمجيد)، من حيث الترتيب بعد ( الحرمان الكبير ) و(نساء ولكن)، تطور فيها أسلوب الكاتبة ومعالجة القضايا التي تعرضها، رغم اقتصار هذه الرواية علي بعض الشخصيات التي تعاني من الفقد والفراق ـ وإن اختلف نوعه … فقد الأسرة، الحبيب، الأم ،الحنان ،السند ـ
ـ من عيوب الرواية:
1ـ أن جميع الشخصيات مثالية إلي أبعد حد، فلا وجود لهذا الحب ـ رغم الفراق ـ إلا في مخيلتنا.
2ـ ردود أفعال بعض الشخصيات عنيفًا كرد فعل هاشم تجاه عايدة؛ فقد عاقبها علي موت والدته رغم أنها ضحية مثله.
3 ـ موقف دينا من حسن، وقسوتها الشديدة معه رغم تيقنها من أنه لا ذنب له.
4ـ النهاية المفتوحة الصادمة لما يتمناه القارئ، فقد تمنى كل من قرأها زواج عايدة وهاشم.
ـ من الملاحظ في جميع أعمالها أنها:
• تعالج القضايا المجتمعية وخاصة قضايا المرآة.
• خبيرة بالمجتمع المصري وأدق تفاصيله.
• لا ذكر للدين في جميع الروايات، رغم كونها في معظمها من الحارة المصرية (نساء ولكن) ـ (الحرمان الكبير)، ومن المعروف أن الشخصيات المصرية البسيطة أكثر الناس تعلقًا بالدين.
• تدور معظم رواياتها عن الحب ومشكلاته، والفراق وعذابه، والسعادة المفقودة في حياة البشر.
• تحولت بعض أعمالها لأعمال درامية (أريد رجلاً)، ويتم تحويل (أنا شهيرة ـ وأنا الخائن) لعمل درامي حاليًا.
• معظم أعمالها بل يكاد يكون كلها تنتهي نهايات غي ر متوقعة، وربما خالفت الواقع، فهي مثالية لأبعد حد.
وفى النهاية (إن كان الحب كبيرًا لا يموت، فهناك يوم تنتهي فيه أيام الفراق، وتموت ليأتي الحب من جديد محمولاً علي كف النسيان والرحمة).

اترك تعليقاً