خاص لمبدعو مصر /  في رحاب الأرز    المهرجان  الشعري الأول لملتقى الشعراء والفنانين في لبنان

    

بقلم :د. أحلام غانم  

 

    في رحاب الأرز ، بعيداً عن الهوى والتعصب لمدرسة شعرية دون أخرى ، وعلى ضفاف العاصي  أنهى  ملتقى الشعراء والفنانين بمشاركة منتدى الحبر الأبيض ، المهرجان  الشعري الاول لقصيدة النثر  في دورته الأولى 2017  فعالياته  الذي يسعى، حسب مؤسسه الأستاذ عماد ترحيني،و مديره الشاعر بسام موسى وكل من عضوية الشاعر ياسر فحص والشاعرة زينب رمال والشاعرة وفاء الزعتري والشاعر عباس كساب  إلى تنمية وإيقاظ الحس الجمالي عند الشباب، بتعويدهم على تذوق سمات الإبداع وإدراكها.

 وتحت الرعاية السامية  للسيد المستشار “جمعة العيسى ”  ومسؤولة العلاقات  الخارجية  الشاعرة والأديبة السورية  الدكتورة أحلام غانم  تركزت أهداف ملتقى الشعراء والفنانين مع الرؤى والأبعاد والدلالات والمعاني والمنظورات في رصد الإبداعات الشبابية ومجالاتها وعناصرها الثقافية ،بما تضيء قضايا الوجود الوطني والقومي والإنساني ،وإبراز وعي الذات العربية العامة والخاصة في الهوية ومواجهة الهيمنة والعولمة من جهة ، و العناية بالتواصل  الإنساني وتقارب الشعوب وإنهاء المؤثرات التكفيرية وضغوطها وصراعاتها من جهة أخرى ،والاهتمام بالبنى الفكرية والأدبية ،بما لا ينقطع عن الواقع العربي والإنساني من التاريخ إلى الخلاص من التأزم الذاتي  والعالمي ،وتوضيح معطيات كل مبدع في نتاجه،وإبراز  تجربته الشعرية وتواصله مع الأنا والآخر.

وبمناسبة  توقيع عقد الشراكة  بين منتدى الشعراء والفنانين  ومنتدى  الحبر الأبيض ممثلا برئيسه الدكتور جمال نصارى ومدير عام الثقافة والإرشاد في منطقة أروند الحرة وذلك في 15 تشرين الأول  ولمدة ثلاثة أيام

وقف شعراء وشواعر الملتقى  على منصتهم الشعرية وسط اجواء اقل ما يقال بشأنها انها اجواء الابداع القادرة على تلمس حركة انفتاح أكمام  الحروف وولوج عوالم القصيدة كقيمة جمالية .

واُستهلت مسائية الافتتاح الرسمي بعزف النشيد الوطني اللبناني، والوقوف دقيقة صمت إجلالا على أرواح الشهداء في العالم العربي ،وتضمن برنامج المهرجان  ،كلمة ملتقى الشعراء والفنانين  للشاعر بسام موسى  في مطعم سويس تايم –الحدث

 وضمن نشاط اليوم الأول للمهرجان ، تم فسح المجال  لكثير من الشعراء الشباب لإلقاء كلمات مماثلة أمام كبار الشعراء الذين حلوا ضيوفا ومشاركين في المحفل، وفسح المجال أمام الإداريين والمنتسبين  لملتقى الشعراء والفنانين للتعبير بحرية وعفوية عن هواجسهم الوجدانية والعاطفية  في الحياة والوجود ، عناية بالأصالة والسمو والبيان وملامح الإيقاع ،والرموز والمدلولات بين الشعر و معناه و مبتغاه.

وأوضح   الشاعر الأستاذ بسام موسى  معضلات الحياة ،و أبان مستويات القصيدة الحديثة ،والمحكية ،ومواقف الشاعر وأزمات مقابل الأجناس الأدبية ونواظم الإيقاع والموسيقى  و الجدير ذكره أن الشاعر بسام موسى صوت له نتاجه الغزير وبصماته المتفردة أحد أبرز الشعراء اللبنانيين الذين واكبوا تطور القصيدة العربية وجربوا الخروج بها إلى فضاء أوسع ، من خلال تواصل إبداعه وحضوره في واجهة المشهد الثقافي .

بهذا التدرج في المعنى والتدرج في التشكيل  يصل بنا إلى مرتبة السواد والضوء، ولأنه المدرك هي أمانة القصيدة التي انبثقت من بين الكاف والنون،  يطل عليها من مقام  الترقب والانتظار وكأنها والشاعر  حيث بلغا معاً سدرة المعنى  وكنه الذي لا يدرك بعدما تلمس شرفات الكلام  التي أوصلته إليها لغة الضوء..  ولهذا يقول إنه :”موتٌ مؤجلٌ “

زغبُ الحكايا يرفُّ بأجنحةِ أزمنةٍ

في فضاءٍ أغبرَ

يقطرُ  من كتَّافِهِ وهم تعتَّقَ

في نبيذ الكلامْ

وعلى كتف المساء ،جُبَّةٌ  من الأحزانِ

أشعلَ في مواقدِ سوادِها

أنينُ الضوءِ صمتاً

يعزفُ على تَقاسيم ِ الفراغ

حُطَامْ

قد لا يختلف اثنان أن  الحس الجمالي هو الحكم الفصل في الكشف عن شعرية الإبداع وطاقته الفنية؛ خاصة إذا أدركنا أن الحس الجمالي هو جوهر ما يروم المبدع تحقيقه في منتجه الشعري؛ فالشاعر المبدع هو الذي يملك أقصى درجات الحساسية الجمالية في تشكيل نصه، بطرائق تشكيلية مبتكرة.

ومن أجل هذا، نلحظ توهجاً لبعض الكلمات في السياق الشعري لكافة الشعراء  الذين شاركوا في المهرجان،نظراً لتساوقهم مع التجربة الوجدانية ونبض المشاعر ودفق الأحاسيس في هذا المهرجان وهذا ما نلحظه في المقطع الشعري التالي  للشاعرة زينب رمال التي تحيا حلم يقظة إلى مالا نهاية  من أقصى القصيدة  إلى أقصاها،,لعل هذا الحلم  هو الذي يمنح الوقت لإنجاز  هذا التركيب الجمالي  “على مرايا الصباح”:

أنا ابنة المدى المزدحم بالغياب

وآلهة الخصب

في شروخ العمر الجرداء

وابنة الجنوب

الذي لا تدور الأرض إلا إليه

زوابع من العشق تقذفني

خارج المسار

وأنت

سر اشتعال النار

في رماد البراءة

والحلم المؤرخ

في أقداح الغسق

سر الصباحات المعتقة بالحبق

لذة التوهج عند تخوم الغرق

 ومما لاشك فيه ،الفن الحقيقي هو الفن القادر على دمج القيمة بالجمال ،وبهذا التصور، للكشف عن تلك العلاقة الجدلية بين الكائنين ،والتي تحدد صيرورتهما في الوجود ،وسيرورتهما  في التحول والتشكل  على هيئة الخبز في المعنى ،الشاعرة  وفاء الزعتري تعترف:

وأعرف أني لن أكون خبزك اليومي

ولن أترك بقايا شعري فوق وسادتك

ولا أحمر شفاهي على حافة فنجان قهوتك

ولا أعقاب سجائري فوق منفضتك

ولن أضيء الشموع  مساء لانتظرك

ولكني أعرف

ما أنا سوى هدهد زلزل قضبان نوافذ قلبك

أرخى جدائل حلمك

رتل أبيات قصائده

غنى ..تمنى ..ومضى ..

 لابد أن نلحظ للشاعرة وفاء الزعتري  تأثيرها السهل الممتنع في إحداث القوة البلاغية للصورة،وتخليق سحرها ونبضها الجمالي،وهي الدلالة على جمال الذات ، وسحرها، وألقها الروحي، وهي ترشف بشفتيها قهوة الصباح ،وتنفث جمالها للحبيب .

 وهذا دليل أن للشاعر ة تأثيرها الفعال في انتقاء الكلمات المناسبة في السياقات الإبداعية المخصصة لها تبعاً لعمق التجربة.

وتأسيساً على هذا، تنبع القيمة الجمالية للجملة من خصوبة الرؤية،وجمالية الإحساس الشعري،وترجمته فنياً، كما في المقطع الشعري التالي للشاعرة فاطمة يونس  من قصيدة :أنا أنثى

 أنا أنثى ..تغار

حذار .. حذار

من غيرةٍ ..تشعلُ أتون النار

فأنا أنثى ..تغار

أغار ..من ضلوع تحضنُ قلبك

تسمع نسيم الخفق ليل نهار

أأغار ..من سترتك الكحلية

تحتوي جبروت  رجوليتك

والأزرار ..؟

 وكما نختبر الذهب  في أتون النار ، نختبر  غيرة الأنثى في أتون الشعر، لأن هذا الاختبار المتبادل ،و الجدلي بين الأنوثة والذكورة ،هو الذي يضع اللحظة الشعرية  بموازاة اللحظة  الإبداعية  التي تشير إلى لحظة غامضة ..وهكذا الشاعرة تفكك أسرار   /الذكورة /سترته الكحلية  لينهض من  أضلعها أحرفاً من نار ..وتظهر جملتها ذات قوة إشعاعية ..

وهذه القوة الإشعاعية للجملة تنبع من رغبة الشاعرة في تحريك الأشياء، بالعبثية، والغيرة ؛ ارتداداً داخلياً لتأزمها النفسي،وقلقها الوجودي؛ وعلى هذا، تؤدي الجملة فاعليتها التأثيرية في النص من خلال عمق المؤثرات الجمالية،وما أثارته من إيحاء، وتفاعلها الناري يدلل على البعد الإيحائي للكلمة في تحريك الصورة وإثارتها جمالياً.

والبحث عن ذات القصيدة  في ذاتها ، يحرك المتلقي باتجاهين للكشف ، الأول نحو المعنى ، ومعراج القصيدة إليها  والاتجاه الثاني  في المبنى  وانسجام الذات  في القصيدة ، ولعل هذين الاتجاهين  هما اللذان  يضعان القصيدة في مقام تناغمها الصوتي  ورنينها المؤثر على شاكلة المقطع الشعري التالي من قصيدتها الثانية :حادثني

حين تحادثني

أغدو كموسى

أفلق البحر .. بأنفاسي

حين تحادثني

أغدو  كيوسف

أرتقي الجُبَّ… بإحساسي

حين تحادثني

أغدو كإبراهيم

أتحدَّى النار بإيماني

حين تحادثني

أغدو كعيسى ..أُظلمُ

   وها هي الشاعرة “حنان يوسف تحثنا على  الاعتراف ،إن الإبداع درجات من الحرارة والتوهج الإبداعي؛ والحساسية الجمالية، والتملي العاطفي، ولهذا؛ تتفاوت درجة جمالية كل نص عن الآخر؛ ويميل إلى البساطة، أو التعقيد،وفقاً لما تقتضيه حركة السياق الشعري،والموقف الشعوري. ومن هنا؛ فإن تشكيل النص يرتبط بأسباب نفسية، ودلالية، وفنية تنعكس على المسار الإيقاعي.

وهكذا يتجلى الفهم الشعري لدى الشاعرة “حنان يوسف “،ويتجلى فهمها  العميق للوطن  مع فصولها ،مع رماديتها الأولى  وفطرتها الأولى  ولغتها الأولى ،حيث لم يتشكل  من قبلها لغة  أو كلام .. هذه القصيدة رغم قصرها إلا أنها تحمل دلالات خصبة،ورؤية إيحائية عميقة ،تقول :

 في وطني

 غابة الزيتون ..عيون حبيبي

وعاشقة أنا

وعاشقي

لا ينهض من  نومه المثبة

وطيور التين

حزينة ..حزينة

أعراس ميتة

ومواكب  فصول

أدمنت الرمادية

من يعتذر من من ؟

لما ..

 تركنا الوطن ..وحيداً

ويختم اليوم الأول الشاعر د. جمال نصارى   بمغامرة شيزوفرنية  عبر نص “ممرضتي الفارسية ” ويضعه  بين الأسئلة التدميرية سؤال الحدود: البداية والنهاية حول ركني الثنائية : شعر – نثر ، وما يتفرع عنه من تداخل وتناص بين ما هو شعري وما هو سردي.

ويشكل رؤيا تكاملية تؤسس لقصيدة حرة منطلقة تتغذى من نبع التحولات العميقة في الذات والعالم، وتفيد من مختلف التجارب المعرفية والشعرية الانقلابية عبر التاريخ الإنساني وهذا ما يمكن استنباطه من قوله :

خُذيني بين ذراعيكِ شعراً

فَفَصيلة دمي

أطفال حرام يَبيعونَ عمرهم

في الشارع

في المقهى

على الرصيفِ

في حضرة الفقية

کم تَحتاجين من الوقتِ

لكي تَنتشلي من جَسدي

ذرات الغبار

صمت النهارِ

بوح الليلِ

«حديثُ»

قبلةٌ واحدةٌ تَکفي

لكي أستعيدَ عافيتي

هل بالغَ هذا المريضُ في الطلبِ؟

أم رَمى عقله في سلة المهملاتِ؟

ضَعي أناملكِِ علی شفتي حزناً

فالجراحُ

حبرُ نبيٍ جفّ قلمه في تفاصيل جسدك “

 هكذا تجلى صراع القيم  والمعايير  لدى الشاعر د.جمال نصارى .

وفي اليوم الثاني    في تمام الرابعة  عصراً تم توقيع  اتفاق عقد الشراكة الثقافية مع ملتقى حبر أبيض في مطعم سويس تايم –الحدث

ومن ثم  تقديم دروع تكريمية للشاعر د. جمال نصارى وللشاعرة  السورية الدكتورة  أحلام غانم  لدورهما الهام في مد أواصر الثقافة والأدب بين الشعوب .

 ومن ثم  في الساعة السادسة مساء حضور أمسية مشتركة  في مطعم ليالي   الجبل – رأس المتن   تناوب على منبر الأمسية  عدداً من الشعراء من كافة الأعمار  ومن كافة المناطق اللبنانية نذكر منهم  الشاعر ياسر فحص والشاعر عباس كساب  ومن سورية الشاعرة أحلام غانم .

وفي اليوم الثالث : الثانية بعد الظهر 17/10/2017

جلسة مع الأعضاء  على ضفاف العاصي  في مطعم القناطر الخيرية  وجلسة غداء تضمنت ارتجال العديد من القصائد  للشاعر بسام موسى  و الشاعرة أحلام غانم  والشاعر علي ناصر والشاعرة وفاء الزعتري  والشاعرة  فريال العبد والشاعرة حنين وبحضور الأديب الكبير الأستاذ ” سهيل الطَّشْم | وحمحمات الأستاذ عماد ترحيني وصمت د.جمال .

 وفي ضوء ما تقدم نرى : ليست مهمة المتلقي مقصورة فقط على مجرد الاستحسان أو الاستهجان، بل هي مهمة البحث والتنقيب وإعمال الفكر، وليس كل متلق يهتدي بفكره إلى وجه الكشف عما اشتملت عليه الصورة من معنى دقيق، بل يتطلب الأمر أن يكون المتلقي قادرا على إدراك العلاقات في مجال الصورة. فخبرة المتلقي ” ليست مقاييس هندسية حادة، تتعامل مع النص بحسابات جبرية فترفض هذا الشكل لوجود انحراف معين عن زواياه المحددة، أوتقبل غيره لتساوقه مع القياس ” بل خبرته وذوقه الجمالي هي وسائل استكشاف لعناصر الجمال في النص.

ويبقى الصراع قائما بين الأصالة  والحداثة ،والأصالة لا حدود لها ، تخومها  عند السماء  وأذيالها  عند آخر  موجة تتكسر  لنهر  متدفق تحبسه جدران الاسمنت المسلح .

 وخلاصة القول : إن الإبداع الجديد – الذى تقترحه جمالية التلقي– هو الاهتمام بأثر الأدب في القارئ، لا بالأدب في حد مرجعيته أو تاريخيته، أو في حد ذاته..

  حينما ندرك أن الكلمة نور ،والنور بريد الذاكرين ، الكلمة  بعبقرية بنائها وعظمة محتواها قادرة على التعبير  عن الحالة الإنسانية خارج حدود  الزمان والمكان  ،ندرك هي أصيلة وحديثة في آن ، لكن كما يكون فهمنا  للأفكار وللوجود  يكون انعكاسه علينا ؟

يشرفنا زيارتكم لمجلة مبدعو مصر على الفيس بوك اضغط هنا

اترك تعليقاً